القات... حقيقته، وحكم الشرع فيه
3-2-2002 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ماهو حكم تعاطي القات؟
الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقات شجرة ابتلي بمضغ ورقها بعض أهل البلاد كاليمن، وجنوب الجزيرة العربية، وبلاد القرن الإفريقي وما جاورها.
حيث يظلون يلوكونها لساعات طويلة لما تجلبه لهم - كما يقولون - من راحة، وتطييب أنفسهم، وذهاب أحزانهم، وتقوية أفكارهم، وتنشيط جوارحهم، وائتلاف جمعهم، بل إن بعضهم بالغ، فادعى أنها تعينه على الطاعة، كقراءة القرآن، ومراجعة العلم، وقيام الليل.
وقد ذكر بعض من جربها، وعرف كل أمرها عن قرب أنها تسبب أضراراً كثيرة، بل إن من هؤلاء من ادعى أنها مسكرة، ومن الناس من نفى عنها كل ذلك، ولهذا اختلف العلماء في الحكم عليها، وممن ذكر اختلافهم ابن حجر الهيثمي في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر) حيث قال: (وقد ألفت كتاباً سميته "تحذير الثقات عن استعمال الكفتة والقات" لما اختلف أهل اليمن فيه، وأرسلوا إلي ثلاثة مصنفات: اثنان في تحريمه، وواحد في حله، وطلبوا مني إبانة الحق فيها، فألفت ذلك الكتاب في التحذير عنها، وإن لم أجزم بحرمتهما). انتهى.
وسبب اختلافهم في تحريمها هو الخلاف في إثبات ضررها من عدمه. قال ابن حجر الهيثمي في كتابه "تحذير الثقات": (والظاهر أن سبب اختلافهم ما أشرت إليه من اختلاف المخبرين، وإلا ففي الحقيقة لا خلاف بينهم، لأن من نظر إلى أنه مضر بالبدن أو العقل حرمه، ومن نظر إلى أنه غير مضر لم يحرمه، فهم متفقون على أنه إن تحقق فيه ضرر حرم، وإلا لم يحرم، فليسوا مختلفين في الحكم، بل في سببه، فرجع اختلافهم إلى الواقع). انتهى.
ومن خلال معرفتنا لهذه الشجرة ومخالطتنا لمتناوليها سنين عديدة، وفي أحوال ومناطق كثيرة أدركنا أنها تسبب أضراراً لا ينكرها من جربها، أو عاش في مجتمع يتناولها، ومن هذه الأضرار:
أنها تغيب العقل، حتى يتصرف صاحبها تصرف السكران أو المجنون، لكن هذا التغير في العقل لا يحدث باطراد، ولا في عموم متناوليها، وإنما يحدث نادراً وأحياناً.
ومن هذه الأضرار ما هو متحقق في عموم متناوليها، وهي أضرار في البدن والمال والوقت والدين، منها: أن تناولها يقلل شهوة الطعام، ويضعف القدرة على النكاح، ويديم نزول الودي عقب البول، ويخفف رطوبة الجسم، ويسبب القبض، وبخر الفم (تنتن رائحته)، وفساد وصفرة الأسنان، وبعد الانتهاء منها يطول السكوت، وتتراكم الهموم، وتتزاحم الغموم، ويتغير المزاج، وينعدم النوم، وبعد ذلك بساعات يكثر النوم، ويتضاعف الكسل، وبهذا تضيع أثناء تناولها وبعده كثير الأموال، وطويل الأوقات فيما لا فائدة فيه، بل جلها يضيع في القيل والقال، والخوض في أعراض الناس، إلى غير ما تسببه من منظر مزرٍ لصاحبها وهو يتناولها يترفع عنه كل ذي مروءة، هذا بالإضافة إلى ما ينشأ عن تناولها من تعطيل لرعاية الأولاد لانشغال رب أسرتهم عنهم بمجالس القات، ومن أعظم مصائبها أن تصد غالب متناوليها عن ذكر الله وعن الصلاة.
إلى غير ذلك من الأضرار الطبية والاجتماعية، والتي ألفت فيها بحوث من قبل مختصين في كل من الطب، وعلوم الاجتماع، وأكثر هذه المؤلفات والبحوث كان من المختصين في الطب، فلهذا كله وغيره نجزم بتحريم تعاطيها مهما ذكر من منافعها، فلا يقابل ضررها بحال. وقد جزم بذلك العلامة الفقيه أبوبكر بن إبراهيم المقرئ الحرازي الشافعي في مؤلفه في تحريم القات حيث قال: - وهو ممن جربها وأكلها - إني رأيت من أكلها الضرر في بدني وديني فتركتها، فقد ذكر العلماء أن المضرات من أشهر المحرمات، فمن ضررها أن آكلها يرتاح ويطرب، وتطيب نفسه، ويذهب حزنه، ثم يعتريه بعد ساعتين من أكله هموم متراكمة، وغموم متزاحمة،وسوء أخلاق.
وحدثني عبد الله بن يوسف المقري عن العلامة يوسف بن يوسف المقري أنه كان يقول: ظهر القات في زمن فقهاء لا يجسرون على تحريم، ولا تحليل، ولو ظهر في زمن الفقهاء المتقدمين لحرموه.. انتهى.
وجزم بتحريمها الشيخ محمد بن سالم البيحاني اليماني في كتابه (إصلاح المجتمع) حيث قال: وهنا أجد مناسبة وفرصة سانحة للحديث عن القات والتنباك، والابتلاء بهما عندنا كثير، وهما من المصائب والأمراض الاجتماعية الفتاكة، وإن لم يكونا من المسكر فضررهما قريب من ضرر الخمر والميسر، لما فيهما من ضياع الأموال، وذهاب الأوقات والجناية على الصحة، وبهما يقع التشاغل عن الصلاة، وكثير من الواجبات المهمة، ولقائل أن يقول هذا شيء سكت الله عنه، ولم يثبت على تحريمه والامتناع منه أي دليل، وإنما الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، وقد قال جل ذكره: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:29].
وقال تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ) [الأنعام:145].
وصواب ما يقول هذا المدافع عن القات والتنباك، ولكنه مغالط في الأدلة، ومتغافل عن العمومات على وجوب الاحتفاظ بالمصالح، وحرمة الخبائث، والوقوع في شيء من المفاسد، ومعلوم من أمر القات أنه يؤثر على الصحة البدنية، فيحطم الأضراس، ويهيج الباسور، ويفسد المعدة، ويضعف شهية الأكل، ويدر السلاس - الودي - وربما أهلك الصلب، وأضعف المني، وأظهر الهزال، وسبب القبض المزمن، ومرض الكلى، وأولاد صاحب القات غالباً يخرجون ضعاف البنية صغار الأجسام والقامة قليلاً دمهم، مصابين بعدة أمراض خبيثة، وهذا مع ما يبذل أهله من الأثمان المحتاج إليها، ولو أنهم صرفوها في الأغذية الطيبة، وتربية أولادهم، أو تصدقوا بها في سبيل الله لكان خيراً لهم... وإنهم ليجتمعون على أكله من منتصف النهار إلى غروب الشمس، وربما استمر الاجتماع إلى منتصف الليل يأكلون الشق، ويفرون أعراض الغائبين، ويخوضون في كل باطل، ويتكلمون فيما لا يعنيهم، ويزعم بعضهم أنه يستعين به على قيام الليل، وأنه قوت الصالحين.
ومن الشيوخ الذين قضى القات على أضراسهم من يدقه، ويطرب لسماع صوت المدق، ثم يلوكه، ويمص ماءه، وقد يجففونه، ثم يحملونه معهم في أسفارهم، وإذا رآهم من لا يعرف القات سخر بهم وضحك منهم. انتهى.
وقد عقد بالمدينة المنورة تحت رعاية الجامعة الإسلامية المؤتمر العالمي لمحاربة المسكرات والمخدرات والتدخين، وصدر قراره بالإجماع بإدخال القات ضمن المواد المشمولة بالمنع، وتلحق بالمخدرات والتدخين، رغم اعتراض كثير من مشايخ اليمن على ذلك.
وأقل أحوال القات أن يكون من المشتبهات التي ما يليق بالمسلم اقترافها. قال ابن حجر الهيثمي: والحاصل أني وإن لم أجزم بتحريمه على الإطلاق.. أرى أنه لا ينبغي لذى مروءة أو دين أو ورع أو زهد أو تطلع إلى كمال من الكمالات أن يستعمله، لأنه من الشبهات، لاحتماله الحل والحرمة على السواء، أو مع قرينة أو قرائن تدل لأحدهما، وما كان كذلك فهو مشتبه أي اشتباه، فيكون من الشبهات التي يتأكد اجتنابها.. وإذا تقررت لك هذه الأحاديث، وعلمت أن غاية أمر هذه الشجرة أنها من المشتبهات تعيَّن عليك - إن كنت من الثقات والمتقين - أن تجتنبها كلها، وأن تكف عنه، فإنه لا يتعاطى المشتبهات إلا من لم يتحقق بحقيقة التقوى، ولا تمسك من الكمالات بالنصيب الأقوى... انتهى.
والله أعلم.