الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أن العلماء مختلفون في وقت المغرب، هل يمتد إلى دخول وقت العشاء أو لا؟ فمنهم من ذهب إلى أن وقت المغرب ضيق لا يتسع إلا لصلاة الفريضة وسنتها، وهذا قول مالك وأكثر الشافعية، وذهب الجمهور من الحنابلة والحنفية ومحققي الشافعية وكثير من أهل العلم إلى أن وقت المغرب يمتد إلى دخول وقت العشاء.
قال ابن قدامة رحمه الله: وآخره مغيب الشفق، وبهذا قال الثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وبعض أصحاب الشافعي، وقال مالك والأوزاعي والشافعي: ليس لها إلا وقت واحد عند مغيب الشمس. انتهى.
وقد جزم النووي وهو من كبار الشافعية بصحة بل صواب هذا القول لموافقته الأدلة، وأن القول الآخر ضعيف أو باطل.
قال رحمه الله في شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق. وفي رواية: وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق. وفي رواية: ما لم يغب الشفق. وفي رواية: ما لم يسقط الشفق. هذا الحديث وما بعده من الأحاديث صرائح في أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق وهذا أحد القولين في مذهبنا وهو ضعيف عند جمهور نقلة مذهبنا، وقالوا: الصحيح أنه ليس لها إلا وقت واحد وهو عقب غروب الشمس بقدر ما يتطهر ويستر عورته ويؤذن ويقيم، فإن أخر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاء، وذهب المحققون من أصحابنا إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها ما لم يغب الشفق وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت وهذا هو الصحيح أو الصواب الذي لا يجوز غيره.
فإذا تبين هذا تبين أن صلاة المغرب جماعة في أي جزء من أجزاء هذا الوقت تقع صحيحة وتكون أداءا لا قضاء، فمن صلى المغرب جماعة قبل دخول وقت العشاء ولو بوقت يسير فلا إثم عليه.
ونحب أن ننبه ههنا إلى أن من فاتته الصلاة وخرج وقتها فالواجب عليه أن يقضيها، ثم المشروع له أن يقضيها في جماعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام هو وأصحابه عن صلاة الصبح واستيقظوا بعد طلوع الشمس صلاها بهم جماعة، ولما فاتته الصلوات يوم الخندق صلاها بأصحابه جماعة.
وبه تعلم أن الجماعة تشرع في أداء الصلاة وقضائها، وأنه ليس لها وقت محدد، غير أن من ترك الصلاة حتى يخرج وقتها بغير عذر فقد ارتكب إثما عظيما ومنكرا جسيما هو من أكبر الكبائر، بل قد ذهب بعض العلماء إلى كفر من تعمد إخراج الصلاة عن وقتها.
والله أعلم.