الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما من أهل ملة إلا ويعتقدون أن معبودهم يشفي المرضى ويقضي الحوائج ويجيب السائلين، حتى أهل الأوثان من عبدة الأصنام قديما وحديثا يعتقدون ذلك في أصنامهم، والذي نريد أن ننبه عليه أن شيئا من ذلك يقع بالفعل، لِحِكَم يعلمها الله تعالى، ومن أظهرها: ابتلاء الناس وامتحان إيمانهم وتوحيدهم، ليميز الله الخبيث من الطيب، ومن أقرب الأمثلة وأشهرها على ذلك ما يُمَكن الله تعالى منه المسيح الدجال فتنة للناس وإظهارا لما وقر في قلوبهم من قوة الإيمان أو ضعفه، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الدجال فقال: يأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرىً وأسبغه ضروعا وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك. فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك. رواه مسلم.
ثم إنه لا يُستبعد أن تكون الشياطين ممن يشاركون في هذه المكائد لإيقاع الناس في الشرك والعياذ بالله.
ومن ذلك أن ابن مسعود حدث عن رسول الله أنه قال: إن الرقى والتمائم والتولة شرك. فقالت له امرأته زينب: لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني فإذا رقاني سكنت !! فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان، كان ينخسها بيده، فإذا رقاها كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما. رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
وقال الدكتور موسى بن محمد الزهراني في بحثه (أولياء الصوفية عند ابن تيمية في الفرقان): أهل الشرك والبدع تحصل لهم أمور خوارق، وهذه من جهة إعانة الشياطين لهم بأمور كثيرة من تكليمهم الموتى، ومن حصول أنواع المعلومات والمعارف، وأحيانا يكون شفاء مرضى، وأحيانا يشفى بقراءته، وأحيانا يشفى بلمسه أو بكتابته أو ما أشبه ذلك، كل هذا يكون من الشيطان، الشيطان الذي يَنْخَسُ المرء ويُوجع، ثم إذا أتى هذا المشرك والمبتدع فحصل منه بعض الأشياء رفع يده. اهـ.
وعندئذ فالحال كما قال تعالى: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54). {الحج:54،53}.
هذا، وينبغي أن نفرق بين ما سبق وبين المعجزات معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء، وما يترتب عليها من شفاء للمرضى بإذن الله تعالى، كحال عيسى عليه السلام حيث نص القرآن على أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص، بل ويحيي الموتى بإذن الله. وكحال الغلام في قصة أصحاب الأخدود، فقد ثبت في صحيح مسلم أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء.
فهذا وأمثاله إنما يكون بدعاء الأنبياء والأولياء وشفاعتهم في حياتهم وحضورهم، فلا بأس أن يطلب المسلم من أمثال هؤلاء ـ ما داموا أحياءً حاضرين ـ أن يتوجهوا إلى الله تعالى فيدعون له ويشفعون فيه، ومن ذلك أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك. قال: فادعه. قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفعه في. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
فهذا توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته في حياته، بخلاف حال الموتى والغائبين فلا يجوز طلب الدعاء منهم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 4413. وراجع في أنواع الشرك الفتوى رقم: 7386 .
والله أعلم.