الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
وقال الزجاجي: الكبير: العظيم الجليل؛ يقال: فلان كبير بني فلان، أي: رئيسهم وعظيمهم، ومنه قوله: إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا {الأحزاب: 67} أي: عظماءنا ورؤساءنا. وكبرياء الله: عظمته وجلاله. اهـ.
وقال البيهقي في (الأسماء والصفات): قال الحليمي في معنى الكبير: إنه المصرف عباده على ما يريده منهم من غير أن يروه. وكبير القوم هو الذي يستغني عن التبذل لهم، ولا يحتاج في أن يطاع إلى إظهار نفسه، والمشافهة بأمره ونهيه، إلا أن ذلك في صفة الله تعالى جده إطلاق حقيقة، وفيمن دونه مجاز؛ لأن من يدعى كبير القوم قد يحتاج مع بعض الناس وفي بعض الأمور إلى الاستظهار على المأمور بإبداء نفسه له ومخاطبته كفاحا لخشية أن لا يطيعه إذا سمع أمره من غيره، والله سبحانه وتعالى جل ثناؤه لا يحتاج إلى شيء ولا يعجزه شيء.
قال أبو سليمان (يعني الخطابي): الكبير الموصوف بالإجلال وكبر الشأن، فصغر دون جلاله كل كبير، ويقال: هو الذي كبر عن شبه المخلوقين اهـ.
وقال السعدي: الكبير الذي له الكبرياء في ذاته وصفاته، وله الكبرياء في قلوب أهل السماء والأرض. اهـ.
وقال القحطاني: هو سبحانه وتعالى الموصوف بصفات المجد والكبرياء، والعظمة والجلال، الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجل وأعلى، وله التعظيم والإجلال في قلوب أوليائه وأصفيائه. قد ملئت قلوبهم من تعظيمه وإجلاله والخضوع له والتذلل لكبريائه. اهـ.
وبهذا يتبين مراد المسلم عند إطلاقه لفظ التكبير (الله أكبر)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: في قول "الله أكبر" إثبات عظمته، فإن الكبرياء يتضمن العظمة، ولكن الكبرياء أكمل، ولهذا جاءت الألفاظ المشروعة في الصلاة والأذان بقول "الله أكبر" فإن ذلك أكمل من قول الله أعظم اهـ.
وذكر رحمه الله بعض المواضع التي يسن فيها التكبير ثم قال: وهذا كله يبين أن التكبير مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجمع، أو لعظمة الفعل، أو لقوة الحال أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة، ليبين أن الله أكبر وتستولي كبرياؤه في القلوب على كبرياء تلك الأمور الكبار؛ فيكون الدين كله لله، ويكون العباد له مكبرين، فيحصل لهم مقصودان: مقصود العبادة بتكبير قلوبهم لله، ومقصود الاستعانة بانقياد الطالب لكبريائه اهـ.
وأما بقية السؤال، فجوابه أن تكبير الله تعالى مطلق، ولا يصح تقيده بشيء، فالله تعالى أكبر من كل شيء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة. رواه البيهقي في الأسماء والصفات، وصححه الألباني بطرقه.
وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون).
وليس في هذا تمثيل ولا تشبيه لله عز وجل بخلقه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 122213.
ولابد هنا من التنبيه على أن نسبة الجسم لله تعالى، من الألفاظ التي لم يأت في الكتاب ولا في السنة نفيها ولا إثباتها، والقاعدة في ذلك أن نمنع إطلاق اللفظ على أية حال، وأما المعنى فنستفصل من قائله، فإن أراد به معنى صحيحاً وافقناه على ذلك المعنى الصحيح، ولم نوافقه على استعمال ذلك اللفظ، وراجع ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 53925، 134190، 120182. وكذلك لفظ الحجم الذي ورد في السؤال.
والله أعلم.