الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن ماء الزنا هدر لا يثبت به نسب، وعليه فإن ولد الزنا لا يلحق بأبيه ولا ينسب إليه، واستدلوا على ذلك بأدلة منها ما ورد في الصحيحين من قول النبي -صلى الله عليه وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر. ومنها ما ورد في قضائه صلى الله عليه وسلم في استلحاق ولد الزنا: أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته، فقضى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه، وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه، ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق به ولا يرث، وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه فهو ولد زنية من حرة كان أو أمة. رواه أحمد وأبوداود وابن ماجه والدارمي.
وخالف في ذلك بعض أهل العلم قال إن نسب ولد الزنا يثبت إذا استلحقه الزاني ولم ينازعه فيه أحد؛ لأن مورد قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش)، كان في التنازع حول نسب مولود ولدته أمه وقد كانت فراشا شرعيا لسيدها، وتنازع فيه الزاني وصاحب الفراش فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الولد لصاحب الفراش. أما إذا لم تكن أمه فراشا شرعيا لأحد فقد ذهب إسحاق بن راهويه إلى أن المولود من الزنى إذا لم يكن مولودا على فراش يدعيه صاحبه، وادعاه الزاني ألحق به، وأوّل قول النبي صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش) على أنه حكم بذلك عند تنازع الزاني وصاحب الفراش.
قال ابن القيم – بعد أن ذكر هذا –: وهذا مذهب الحسن البصري، رواه عنه إسحاق بن راهويه بإسناده فى رجل زنا بامرأة، فولدت ولدا فادعى ولدها، فقال يجلد ويلزمه الولد، وهذا مذهب عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، ذكر عنهما أنهما قالا: أيما رجل أتى إلى غلام يزعم أنه ابن له، وأنه زنى بأمه، ولم يدع ذلك الغلام أحد فهو ابنه، واحتج سليمان بن يسار بأن عمر بن الخطاب كان يليط (أي يلحق) أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام" انتهى.
وهذا الرأي أيضاً يراه محمد بن سيرين، وشيخ الإسلام ابن تيمية. ورجحه تلميذه ابن القيم، وروى علي بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال: لا أرى بأسا إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه، أن يتزوجها مع حملها، ويستر عليها، والولد ولد له. انتهى.
وعليه، فلا يجوز لأبيك أن ينسب هذا الولد إليه بحال إذا كانت المرأة التي زنا بها قد زنى بها وهي ذات زوج لأن هذا الولد ينسب حينئذ لهذا الزوج لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش). فإن كانت هذه المرأة غير متزوجة حال فعل الفاحشة فقد علمت الخلاف في المسألة، والأمر فيه ينبني على مسألة الإلحاق وقد علمت الخلاف فيها.
فإذا ألحقه أبوك بنسبه حيث لا مجال للاعتراف بنسبه شرعا كأن تكون هذه المرأة التي زنى بها ذات زوج ثم اعترف بهذا الولد فهنا يكون استلحاقه باطلا قطعا لوجود الفراش الذي ينسب إليه هذا الولد.
أما إذا كانت هذه المرأة لا زوج لها ثم استلحقه أبوك تقليدا لمذهب من قال بذلك من أهل العلم فقد صار حينئذ أخا لك.
مع التنبيه على أن الواجب على المسلم أن يتحاكم إلى شرع الله سبحانه ويرضى به، ولا يجوز له أن يتحاكم إلى غيره من التشريعات الوضعية. وأي حكم من هذه القوانين البشرية يخالف حكم الله سبحانه فهو باطل ولا يجوز لمسلم أن يقبله أو يرضى به.
والله أعلم .