الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن ما يتركه الميت بعد وفاته يكون ملكا للورثة كل على حسب نصيبه الشرعي. ولا حرج على الورثة أن يطالبوا بحقهم في التركة ولا مذمَّة عليهم في ذلك.
ولكنا في هذا المقام نقول: إن على هؤلاء الأبناء أن يتركوا هذا البيت لأمهم ما دامت تحتاج إليه، وليس لديها القدرة لا على شراء منزل آخر ولا على كرائه، والأبناء قد منّ الله عليهم وبسط لهم في أرزاقهم فمن حق أمهم عليهم أن يكرموها وأن يتركوا لها هذا البيت الذي تريد البقاء فيه .
ونذكرهم بحق أمهم عليهم خصوصا بعد موت أبيهم، فإنه لم يبق لها في الدنيا إلا أولادها، وهي لا شك تحب أن تراهم بارين بها محسنين إليها على كل حال، مؤثرين لرضاها على زينة الحياة الدنيا. وهذا حقها عليهم، ومهما فعل الأولاد مع أمهم فلن يوفوها حقها عليهم، وقد أوصى الله الإنسان بوالديه عامة وبأمه خاصة، قال الله تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا" {الأحقاف : 15 } وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟. قال: "أمك". قال: ثم من؟. قال: "ثم أمك". قال: ثم من ؟. قال: "ثم أبوك".
ومحل هذا الكلام ما إذا لم يترتب على ترك هذا البيت ضرر كبير يلحق بهم، أما إن ترتب على ذلك ضرر بالغ كأن كانت قيمة هذا البيت كبيرة وكانوا يحتاجون إلى بيعه حاجة ماسة فعليهم حينئذ أن يقنعوا أمهم بترك هذا البيت على أن يوفروا لها مسكنا آخر يليق بحالها – إما تمليكا وإما كراء - بل عليهم أن يوفروا لأمهم سائر ما تحتاج إليه من طعام وشراب ولباس وعلاج ما دامت لا تقدر على ذلك. قال ابن قدامة رحمه الله : " ويجبر الرجل على نفقة والديه، وولده، الذكور والإناث، إذا كانوا فقراء وكان له ما ينفق عليهم " انتهى.
وتكون تكلفة هذا المسكن وغيره من النفقة مقسمة على جميع أولادها. وقد اختلف أهل العلم في كيفية تقسيمها عليهم هل يكون التقسيم بحسب الإرث، أو بحسب اليسار، أو هي على الرؤوس؟ ولعل قول من قال بأنها حسب اليسار هو أرجح الأقوال، لقوله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِه {الطلاق:7}
وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 20338.
والله أعلم.