الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنوصيك أولا بأن تناصحي والدك وإخوتك بأن يحرصوا على أداء الصلاة في المسجد، فإن شهود صلاة الجماعة في المساجد له من الفضل العظيم والأجر الجسيم ما لا يخفى، ويكفي شهادة الله تعالى لعمار المساجد وثناؤه عليهم في مثل قوله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ. {التوبة: 18}. وقد أوجب بعض العلماء شهود صلاة الجماعة في المساجد ورأى ترتب الإثم على من ترك الجماعة في المسجد، فحري بالمسلم ألا يدخل نفسه في مثل هذا الخلاف.
وأما عن مسألتك فاعلمي أولا أن التجويد منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب، فالواجب منه إخراج الحروف من مخارجها، وألا يبدل حرفا منها بآخر، أو يلحن في القراءة لحنا يغير المعنى، فهذا تعلمه واجب على من قدر عليه والإخلال به لا يجوز، ومن كان يلحن في الفاتحة لحنا يغير المعنى أو يبدل حرفا منها بحرف فلا يجوز الاقتداء به وإن سهل بعض العلماء في الحروف المتقاربة المخارج كما أشبعنا القول في هذا في الفتوى رقم: 113626، وأما ما عدا ذلك من التجويد الذي مرجعه إلى تحسين القراءة ولا يترتب على الإخلال به إحالة للمعنى فتعلمه مستحب لا واجب.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله: ولم يذكرِ المؤلِّفُ كراهةَ إمامةِ مَن لا يقرأُ بالتَّجويدِ؛ لأنَّه لا تُكره القِراءةُ بغيرِ التَّجويدِ.
والتَّجويدُ مِن بابِ تحسين الصَّوتِ بالقرآنِ، وليس بواجبٍ، إنْ قرأَ به الإِنسانُ لتحسينِ صوتِه فهذا حَسَنٌ، وإنْ لم يقرأْ به فلا حَرَجَ عليه ولم يفته شيءٌ يأثم بتركِهِ، بل إنَّ شيخَ الإِسلامِ رحمه الله ذمَّ أولئك القومَ الذين يعتنون باللَّفظِ، ورُبَّما يكرِّرونَ الكلمةَ مرَّتين أو ثلاثاً مِن أجل أن ينطِقُوا بها على قواعد التَّجويدِ، ويَغْفُلُونَ عن المعنى وتدبُّرِ القرآنِ. انتهى. وانظري الفتوى رقم: 6682.
وبناء عليه فإذا كان أبوك يلحن في الفاتحة لحنا يغير المعنى فلا يجوز لك الاقتداء به، وأما إذا كان لا يلحن لحنا يغير المعنى وإنما يخل بالتجويد المستحب فلك أن تصلي خلفه ولا حرج عليك في ذلك، وإن كان مقصرا في تعلم ما يجب عليه تعلمه من التجويد الواجب فيجب عليه تعلمه إن كان قادرا على ذلك، وإن كان أخوك بالغا وكان أقرأ من أبيك للقرآن فهو أولى بالإمامة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله. أخرجه مسلم. فإن أمكنك أن تبيني هذا الحكم لأبيك بلين ورفق حتى يسمح بذلك فحسن، وإلا فلا حرج عليكم في الصلاة خلفه إن كان ممن تجوز الصلاة خلفه.
والله أعلم.