الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية نحب أن ننبه على أمرين:
الأمر الأول: أنه لا يجوز السفر لبلاد غير المسلمين لمجرد التنزه والسياحة، وقد أفتى بذلك الشيخ ابن باز كما في مجموع فتاويه، والشيخ العثيمين كما في اللقاء الشهري، والشيخ الفوزان كما في المنتقى من فتاويه. وقد ورد إلى اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال التالي: أذهب لرحلة كل عام في الخارج اليونان - النمسا أنا وزوجتي وطفلتي ونقضي فترة أسبوعين في البحر والجزر اليونانية الجميلة والحدائق كنوع من الفسحة البريئة، هل يجوز ذلك؟ مع العلم أنني أحافظ على الصلاة أنا وزوجتي زوجتي لا تكشف عن جسدها لا نأكل إلا الفواكه، لا نحتك بالأجانب ورؤية عوراتهم، أفيدونا بذلك.
فكان الجواب: لا يجوز السفر لبلاد أهل الشرك إلا لمسوغ شرعي، وليس قصد الفسحة مسوغا للسفر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. رواه أبو داود. ولذلك ننصحك بعدم الذهاب لتلك البلاد ونحوها للغرض المذكور. اهـ.
وقد فصل الشيخ العثيمين ذلك وبين محاذيره في لقاءات الباب المفتوح فقال: لا أرى جوازه، لأن فيه محاذير، المحظور الأول: أن الإنسان يقدم إلى بلاد كافرة، ربما يتأثر بدينهم أو أخلاقهم أو عاداتهم. ثانياً: أنه يصرف أموالاً كثيرة في السفر إلى تلك البلاد. ثالثاً: أنه يثري أموال هؤلاء ويدخل عليهم فوائد كثيرة. رابعاً: أنه ربما يقتدى به فيتهافت الناس على هذه المسألة. خامساً: أنه بلغنا عن أناس كانوا مستقيمين فذهبوا في إجازة الصيف إلى بلاد الكفر، ثم رجعوا منحرفين والعياذ بالله، وهذا ليس ببعيد. لذلك نرى أنه لا يجوز السفر إلى بلد الكفر إلا لمصلحة دينية أو دنيوية بشروط: أولاً: أن يكون الإنسان عنده علم يدفع به الشبهات، لأنه هناك سوف يعرضون عليه أشياء ويشككونه في دينه. الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات، لأن هناك خمورا ودعارة وكل ما تتصور من الشر فإنك تجده هناك والعياذ بالله. الثالث: المصلحة أو الحاجة. فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فلا بأس، وأما إذا اختل شرط واحد منها فلا أرى جواز السفر إلى تلك البلاد اهـ. وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتويين: 1818، 17945.
والحكم في مسألة السائل مبناه على أن الأجرة في عقود الإجارة لا بد من معلوميتها، فتفسد الإجارة بجهالتها، وإذا فسدت الإجارة واستوفيت المنفعة لزم أجرة المثل، قال ابن قدامة في المغني: إِنْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ.
وأجرة المثل هذه إنما يحكم بها أهل الخبرة في البلد الذي تمت فيه المعاملة، جاء في الموسوعة الفقهية: لو كان في الأجر جهالة مفضية للنزاع فسد العقد، فإن استوفيت المنفعة وجب أجر المثل، وهو ما يقدره أهل الخبرة. اهـ. ولمزيد التفصيل في ذلك تراجع الفتويان: 110496، 110748.
ثم إننا ننبه على أن هذه المستشفى لو كانت أعلمتك بقيمة الأجرة مسبقا ووافقت عليها لكونك تجهل أجرة المثل، فظهر بعد ذلك أن فيها غبنا فاحشا، فإنه يثبت لك حينئذ خيار الغبن، وذلك بدفع أجرة المثل أيضا، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 71813.
وعلى ذلك، فالذي يلزم السائل على أية حال إنما هو أجرة المثل، وهذا يمكن معرفته بالسؤال عن مثل قيمة المنفعة التي استفدتم بها في بقية المستشفيات ودور العلاج هناك، فإن كانت هذه هي القيمة لزمك دفعها، وإن كانت أكثر لم يلزمك إلا دفع قيمة المثل فحسب.
والله أعلم.