الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذا النوع من الزكاة يسمى زكاة عروض التجارة، وكيفية زكاتها بعد مرور الحول هي: أن يقوم التاجر بتقويم كل تجارته حسب سعر السوق بغض النظر عن الثمن الذي دفع فيها. ثم يخرج الزكاة بنسبة ربع العشر 2.5% إذا بلغ النصاب، وهو قيمة خمسة وثمانين غراماً من الذهب.
وبناء على ما تقدم، فإن على السائل الكريم أن يقوّم البضائع بسعرها الحالي الموجود في السوق، ولا يلتفت إلى السعر الماضي نزل أم صعد، فإذا بلغ مجموع ما عنده نصاباً بنفسه أو بما انضم إليه من نقود أو عروض أخرى أخرج منه الزكاة 2.5%.
ولا يصح أن تخرج زكاة التجارة من أعيانها عند جمهور أهل العلم بل لا بد أن تخرج من قيمتها النقدية، وأجاز طائفة من أهل العلم إخراج أعيان من عروض التجارة، ومن هؤلاء الإمام أبو حنيفة والبخاري وبعض فقهاء المالكية، ودليلهم حديث معاذ مع أهل اليمن حيث قال لهم: ايتوني بخميس أو لبيس آخذه مكان الصدقة فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة. رواه البيهقي والبخاري تعليقاً.
وهنالك مذهب ثالث وسط يراه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع، أما إن كان لحاجة أو مصلحة راجحة تعود على الفقير فلا بأس به..
قال ابن قدامة في المغني: ويخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها. وهذا أحد قولي الشافعي. وقال في موضع آخر: هو مخير بين الإخراج من قيمتها، وبين الإخراج من عينها. وهذا قول أبي حنيفة. لأنها مال تجب فيه الزكاة، فجاز إخراجها من عينه، كسائر الأموال. ولنا أن النصاب معتبر بالقيمة، فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الأموال، ولا نسلم أن الزكاة تجب في المال، وإنما وجبت في قيمته. انتهى.
وقال النووي في المجموع في الفقه الشافعي: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز إخراج القيمة في شيء من الزكوات وبه قال مالك وأحمد وداود، إلا أن مالكا جوز الدراهم عن الدنانير وعكسه، وقال أبو حنيفة: يجوز، فإن لزمه شاة فأخرج عنها دراهم بقيمتها أو أخرج عنها ما له قيمة عنده كالكلب والثياب جاز. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد رحمه الله قد منع القيمة في مواضع وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص ومنهم من جعلها على روايتين، والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولهذا قدر النبي صلى الله عليه وسلم الجبران بشاتين أو عشرين درهما ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقاً فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة. إلى أن قال: وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به. انتهى.
وقال الشوكاني: الحق أن الزكاة واجبة من العين، ولا يعدل عنها إلى القيمة إلا لعذر. اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز إخراج الزكاة من الأقمشة؟
فأجاب: يجوز ذلك في أصح قولي العلماء الطيب عن الطيب، والرديء عن مثله حسب القيمة، مع الحرص على ما يبرئ الذمة، لأن الزكاة مواساة من الغني للفقراء، فجاز له أن يواسيهم من القماش بقماش، كما يواسيهم من الحبوب والتمور والبهائم الزكوية من نفسها.
ويجوز أيضا أن يخرج عن النقود عروضا من الأقمشة والأطعمة وغيرها، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة، مثل أن يكون الفقير مجنونا أو ضعيف العقل أو سفيها أو قاصرا، فيخشى أن يتلاعب بالنقود، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاما أو لباسا ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم. اهـ.
ونحن نرى هذا المذهب الوسط الذي ذهب إليه شيخ الإسلام، وتبعه فيه الشوكاني والشيخ ابن باز، ومما يؤيد هذا المذهب الوسط أن أكثر العلماء على أن جانب التعليل في الزكاة مقدم على جانب التعبد.
ولا يلزمك تخيير الفقراء في بضائعك ولكنه يتعين استشعار مراقبة الله تعالى وحاول التنسيق معهم فأعرض عليهم من بضائعك ما هو متوسط الثمن والجودة فإن كانوا راغبين فيه فأعطه لهم وذلك أن الله تعالى ألزم إخراج الزكاة من الوسط ومنعها من الرديء فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ {البقرة: 267}.
فقد نهاهم الله تعالى في هذه الآية عن القصد لإخراج الخبيث من المال، فلا يتصدق برديء المال بل يلزمه الوسط، ولا يجب عليه إخراج أجوده لما في حديث الصحيحين: وإياك وكرائم أموالهم. وقال خليل في مختصره: ولزم الوسط.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 7086، 6513، 53408، 12149.
والله أعلم.