الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يعين القائمين على هذا العمل وأن يحقق لهم مقصودهم، وأما ما سألت عنه فكلا الفريقين على خير إن شاء الله، ولكن الذي نراه في هذه الصورة أن الأولى هو ما رآه الأولون من جمع التبرعات بصورة علنية إذا كان المقصود لا يحصل إلا بذلك، ولا شك في أن الأصل هو أن إخفاء الصدقة أولى من إظهارها وفي ذلك نصوص كثيرة، وحكمة ذلك أنه أبعد عن الرياء وأدعى لتحصيل الإخلاص، ولكن قد يعرض من الأمور ما يجعل إظهار الصدقة أولى في بعض الأحيان مثل أن يكون المتصدق يدفع التهمة عن نفسه بإظهار الصدقة، وكذا إذا كان يرجى أن يقتدي به من يراه فيكثر الخير بذلك، وهذا من هذا الباب، قال الرازي في تفسيره: وأما الوجه في جواز إظهار الصدقة فهو أن الإنسان إذا علم أنه إذا أظهرها صار ذلك سبباً لاقتداء الخلق به في إعطاء الصدقات فينتفع الفقراء بها فلا يمتنع والحال هذه أن يكون الإظهار أفضل. انتهى.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: إخفاء الصدقة أفضل بلا شك إلا أنه ربما يعرض لهذا الأفضل ما يجعله مفضولا مثل أن يكون في إظهار الصدقة تشجيع للناس على الصدقة فإن هنا قد يكون إظهار الصدقة أفضل ولهذا امتدح الله سبحانه وتعالى الذين ينفقون سرا وعلانية على حسب ما تقتضيه المصلحة فالحال لا تخلو من ثلاث مراتب إما أن يكون السر أنفع أو الإظهار أنفع فإن تساوى الأمران فالسر أنفع. انتهى.
فإذا كان ما سلكه القائمون على هذا المسجد قد حصل به نفع وكثرت بسببه التبرعات فنرى أن الأولى هو أن يستمروا في عملهم هذا مع ضرورة تنبيه الناس على إصلاح النيات والاجتهاد في تحصيل الإخلاص ودفع الرياء والتماس ثواب الله بالصدقة، مع التنبه إلى أن هذا الالتزام من الناس بالتبرع غير ملزم لهم وإنما هو وعد ينبغي لهم أن يفوا به.
والله أعلم.