الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمعنى هذا الكلام: أن منكر البعث الجسماني كافر، وقد مثل لهم الشيخ في شرحه بالنصارى، وذلك أن النصارى ـ على كثرة فرقهم ـ لا يؤمنون بنعيم ولا بعث جسدي حسي، بل يستهزؤون بالأنهار والعسل والجواري واللذات الجسدية التي نؤمن بها نحن المسلمون.
فهم لا يؤمنون بجنة حسية، ولا بنار حسية، بل نعيمهم روحي، فالجنة في زعمهم: عودة الروح إلى جوار المسيح، والنار عندهم هي الموت الأبدي والتردي في الهاوية، كما جاء في كتاب: العقائد النصرانية ـ وراجع الفتوى رقم: 80351
ولكن من أقر من أهل القبلة بأصل البعث الجسدي، وزعم أن جسم الميت يستحيل ويتحلل، فتبعث روحه في جسم آخر ينشئه الله لها، فهذا ليس بكافر، لمكان الشبهة والتأويل، ولكنه مبتدع وفاسق، لمخالفته لظواهر الكتاب والسنة القاضية بأن الله تعالى يبعث هذه الأجسام مرة أخرى.
وأشد منه في الضلال: من زعم أن الله تعالى يخلق للجسد الجديد روحا أخرى، وعليهما يقع النعيم أو العذاب، قال ابن القيم في الفوائد: تأمل كيف دلت السورة ـ يعني سورة: ق ـ صريحا على أن الله سبحانه يعيد هذا الجسد بعينه الذي أطاع وعصى فينعمه ويعذبه، كما ينعم الروح التي آمنت بعينها ويعذب التي كفرت بعينها، لا أنه سبحانه يخلق روحا أخرى غير هذه فينعمها ويعذبها، كما قاله من لم يعرف المعاد الذي أخبرت به الرسل حيث زعم أن الله سبحانه يخلق بدنا غير هذا البدن من كل وجه عليه يقع النعيم والعذاب، والروح عنده عرض من أعراض البدن فيخلق روحا غير هذه الروح وبدنا غير هذا البدن.
وهذا غير ما اتفقت عليه الرسل ودل عليه القرآن والسنة وسائر كتب الله تعالى، وهذا في الحقيقة إنكار للمعاد وموافقة لقول من أنكره من المكذبين، فإنهم لم ينكروا قدرة الله على خلق أجسام أخر غير هذه الأجسام يعذبها وينعمها، كيف وهم يشهدون النوع الإنساني يخلق شيئا بعد شيء فكل وقت يخلق الله سبحانه أجساما وأرواحا غير الأجسام التي فنيت، فكيف يتعجبون من شيء يشاهدونه عيانا؟ وإنما تعجبوا من عودهم بأعيانهم بعد أن مزقهم البلى وصاروا عظاما ورفاتا، فتعجبوا أن يكونوا هم بأعيانهم مبعوثين للجزاء، ولهذا قالوا: أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون. وقالوا: ذلك رجع بعيد.
ولو كان الجزاء إنما هو لأجسام غير هذه، لم يكن ذلك بعثا ولا رجعا، بل يكون ابتداء، ولم يكن لقوله: قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ـ كبير معنى، فإنه سبحانه جعل هذا جوابا لسؤال مقدّر، وهو أنه يميز تلك الأجزاء التي اختلطت بالأرض واستحالت إلى العناصر، بحيث لا تتميّز فأخبر سبحانه بأنه قد علم ما تنقصه الأرض من لحومهم وعظامهم وأشعارهم، وأنه كما هو عالم بتلك الأجزاء فهو قادر على تحصيلها وجمعها بعد تفرّقها وتأليفها خلقا جديدا. هـ.
وأما سؤال: كيف تكون أجسام الناس عندما يبعثون من قبورهم؟ فهذا يحتاج لتفصيل وبيان، ومن أفضل من فعل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قرر في كلام طويل بطلان زعم أن البعث يقع على بدن آخر غير الأول الذي مات واستحال، وفي الوقت نفسه قرر أن النشأتين نوعان تحت جنس يتفقان ويتماثلان ويتشابهان من وجه، ويفترقان ويتنوعان من وجه آخر، ولهذا جعل المعاد هو المبدأ، وجعل مثله أيضا، فباعتبار اتفاق المبدإ والمعاد فهو هو، وباعتبار ما بين النشأتين من الفرق، فهو مثله، وينبغي مراجعة كلامه بطوله، وهو في مجموع الفتاوى.
والله أعلم.