الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق أن نصحنا السائلة مرارا بالإعراض عن هذه الوساوس، ولكنها أعرضت عن النصيحة بدلا من الإعراض عن الوسوسة، فضيقت على نفسها وحملتها ما يعنتها، والله المستعان، وراجعي الفتوى رقم: 131591. للأهمية.
وأما مسألة المزاح وأنه لا يُتصور في أمر متعلق بالدين إلا من مستهزئ، فهذا غلط، فلابد من مراعاة حال المتكلم ومقصده والباعث له على الكلام، ومما يمكن الاستشهاد به هنا أن عجوزا أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ! ادع الله أن يدخلني الجنة. فقال: يا أم فلان! إن الجنة لا تدخلها عجوز. فولت تبكي. فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. عُرُبًا أَتْرَابًا. رواه الترمذي في الشمائل، وصححه الألباني بطرقه. وهذا يورده أهل العلم في باب مزاح النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن صهيب قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ادن فكل. فأخذت آكل من التمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تأكل تمرا وبك رمد؟ قال: فقلت: إني أمضغ من ناحية أخرى. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه ابن ماجه، وصححه الحاكم والبوصيري، وجوده الزيلعي والعراقي، وحسنه الألباني.
قال الغزي في (المراح في المزاح): إنما استجاز صهيب أن يعرض لرسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمزح في جوابه؛ لأن استخباره قد كان يتضمن المزح، فأجابه عنه بما وافقه من المزح مساعدة لغرضه وتقربا من قلبه، وإلا فليس لأحد أن يجعل جواب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مزحا، لأن المزح هزل. اهـ.
وأما كلمة (الحسبلة) فهي من الألفاظ المنحوتة، وقد نص عليها طائفة من أئمة اللغة، وذكروا للألفاظ المنحوتة أمثلة كثيرة غير هذه، كالسبحلة: من سبحان الله. والمشألة: من قول: ما شاء الله. والسَّمعلة: من قول سلام عليكم. والهيللة من قول: لا إله إلا الله.
وتبسم من قالها يستبعد أن يكون استهزاءا من هذا اللفظ المبارك، ولكنه قد يكون بسبب استغراب السامعين منه.
وأما مسألة إنكار القلب، فإنه إنما يطلب إذا علم المرء بمنكر، وأما إذا لم يستبن له، فإنكاره حينئذ من التنطع المذموم، والتكلف المشؤوم.
ونرجو أن تراجع السائلة الفتاوى السابقة وتتدبرها وتحاول الاستفادة منها، وأرقامها كالتالي: 137096 ، 137074 ، 136859، 136381.
والله أعلم.