الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم ـ أولا ـ أنه لا يجوز لك أخذ شيء من الربح بغير إذن المضارب الذي أعطاك المال لتتاجر به، فإن قسمة الربح في المضاربة لا تجوز إلا برضا الطرفين، فإذا كنت قد أخذت هذا القدر من الربح بدون إذن من شريكك، فهذا المال دين في ذمتك يجب عليك رده إلى مال المضاربة، لأنه وقاية لرأس المال، فإذا اتفقتما على قسمة الربح أو فسخ المضاربة، فإنك تأخذ حصتك من الربح في هذه الحال، قال في كشاف القناع: وإذا ظهر ربح في المال لم يكن له ـ أي العامل ـ أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال، لأن نصيبه مشاع وليس له أن يقاسم نفسه، ولأن ملكه عليه غير مستقر، ولأنه وقاية لرأس المال، ولا يؤمن الخسران. انتهى.
وإذا كنتما لم تقسما الربح، وإنما أخذت أنت هذا القدر بغير إذن من شريكك فعدم وجوب الزكاة ـ والحال هذه ظاهر ـ لأن هذا القدر لم يدخل في ملكك دخولا مستقرا، فإنك إنما تملكه ملكا مستقرا بالقسمة لا بمجرد الظهور، وإن كنتما قد تراضيتما على قسمة الربح وأخذت نصيبك من الربح فقضيت به دينك، فما دمت قد أنفقت هذا المال في وفاء دينك قبل أن يحول الحول فلا زكاة عليك فيه، لأن من شروط وجوب الزكاة حولان الحول، وإنما تجب عليك الزكاة في حصتك من الربح بعد قسمته إذا بلغت نصابا ولو بضمها إلى ما تملكه من نقود أو عروض، وحال عليها الحول وهي في ملكك، ويحسب الحول من وقت قسمة الربح أو ما يقوم مقام القسمة ـ كما قدمنا ـ وهذا هو الراجح عند الحنابلة، لأنه قبل قسمته وقاية لرأس المال فليس ملكه مستقرا، قال في مطالب أولى النهى: ولا زكاة في حصة مضارب من ربح قبل قسمته ولو ملكت حصته بالظهور، لعدم استقراره لأنه وقاية لرأس المال، فملكه ناقص وابتداء حوله من قسمة أو ما أحري مجراها. انتهى.
وقال في الفروع: ولا زكاة في حصة المضارب، ولا ينعقد الحول قبل استقراره، نص عليه واختاره أبو بكر والقاضي والشيخ وغيره، وذكره في الوسيلة ظاهر المذهب، لعدم الملك أو لضعفه، لأنه وقاية رأس المال واختار أبو الخطاب وغيره وقدمه في المستوعب وغيره تجب الزكاة وينعقد حوله بملكه بظهور الربح. انتهى.
والله أعلم.