الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان مقصود ذلك الخطيب أن الميت ينفع من دعاه أو استغاث به أو تبرك به، فهذا يدل على جهله بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, كما يدل ـ أيضا ـ على أن في قلبه زيغا ـ والعياذ بالله ـ لأنه ترك النصوص الشرعية المحكمة الدالة على تحريم دعاء غير الله والمحذرة من الغلو في قبور الصالحين والعبادة عندها، ثم يستدل بنصوص لا دلالة فيها لما أراد تلبيسا وتأويلا، وهذه طريق الذين في قلوبهم زيغ، قال الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ.{ آل عمران : 7 }.
والميت لا يجيب داعيا ولا يشفي مريضا ولا يغيث ملهوفا، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء عليهم السلام ليلة المعراج وصلاته بهم معجزة ـ كما هو معلوم ـ ولا يصح أن يستدل بما جرى بين موسى ونبينا عليهم الصلاة والسلام على أن الميت ينفع من دعاه واستغاث به، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحث الصحابة الكرام على زيارة قبر موسى أو غيره من الأنبياء والصالحين والتبرك به، بل حذرهم من الغلو في قبور الأنبياء والصالحين في مثل قوله: لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا. رواه أحمد. وقوله: اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. رواه أحمد. وقوله: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر مثل ما صنعوا. متفق عليه. وقوله: أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ. رواه مسلم.
وحذرنا الله تعالى من دعاء غيره فقال: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ. { الأحقاف: 5 ـ 6 }. وقال تعالى: قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا. { الأنعام: 72 }.
وأما قصة ثابت بن قيس ـ رضي الله عنه ـ وأنه لما قتل شهيدا في اليمامة وأوصى بعتق بعض عبيده وببعض الوصايا ونفذت: فإن الصحابة ومن تبعهم بإحسان لم يفهموا منها ذلك الفهم السقيم وأن الميت ينفع غيره وبالتالي، يدعى من دون الله أو يستغاث به ويتبرك به، وحتى المنفعة التي حصلت لعبيده بالعتق كانت خاصة بثابت ـ رضي الله عنه ـ ولذا ورد في آخر القصة ـ وهي في المستدرك ومعجم الطبراني وغيرهما: فَلا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا جَازَتْ وَصِيَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، إِلا ثَابِتَ بن قَيْسِ بن شَمَّاسٍ ـ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وانظر الفتويين رقم: 3779, ورقم: 31789 .
والله أعلم.