الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن المعلوم شرعاً أن الرشوة أمر محرم، لا يجوز لأحد بذلها، ولا لمن دفعت إليه أخذها، بل هي من كبائر الذنوب، لما ثبت عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الراشي والمرتشي. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وفي قوله تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ. { المائدة: 41 }.
قال الحسن وسعيد بن جبير: هو الرشوة، قال تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون.
هذا من حيث الأصل، إلا أن جمهور أهل العلم على أن من لم يتمكن من الوصول إلى تحصيل حقه بالطرق المشروعة، جاز له بذل الرشوة لدفع الضرر عن نفسه، وأن الإثم يقع على من أخذها، فقد ورد في الأثر أن ابن مسعود ـ رضي الله عنه: كان بالحبشة فَرَشَا بدينارين، حتى خلي سبيله، وقال: إن الإثم على القابض دون الدافع.
وروي عن جماعة من أئمة التابعين قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم.
وفي المرقاة شرح المشكاة: قيل الرشوة: ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل، أما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق أو ليدفع به عن نفسه فلا بأس به.
وبالتالي، فجملة ما ذكرته قد يحتاج فيه المرء إلى المصانعة عن نفسه ببذل مال إلى من يقومون بتلك الأعمال لدفع الظلم أو الوصول إلى الحق بشرط أن لا يوقع ضررا بغيره وقد لايحتاج إلى ذلك، والضابط ما ذكرناه. ولا يمكن الحكم على المسائل كلها جملة بحكم واحد، وإنما ينظر متى توفر ضابط جواز بذل الرشوة جاز بذلها، وإذا لم يتوفر الضابط فلا يجوز بذلها.
وبالمناسبة، فإننا نحذر من هذا العمل المهين، لما فيه من نشر الفساد، لأن بعض الناس لا يقوم بالواجب عليه من حقوق الناس في تسيير أمورهم إلا بأخذ مقابل يبذل، والتواطؤ معه على ذلك يعوده عليه ويؤدي إلى اقتداء غيره به جشعا وطمعا فتفسد الأخلاق وتتبدل القيم، فعلى الجميع أن يتقوا الله عز وجل، وليعلم أولئك الذين يأخذون الرشا أنهم يقدمون على أمر محرم، كما أنه خيانة للأمانة التي حملوها، وظلم لإخوانهم وأكل لأموالهم بالباطل فعليهم أن يخافوا الله في أنفسهم وأن يتقوا الله العزيز الجبار.
واعلم ـ أيها الأخ الكريم ـ أنه من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، وأن الله سبحانه وتعالى سيجعل بعد عسر يسرا.
والله أعلم.