الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فابتداء ننبه على أن الشخص إذا نزلت نازلة ما تحتاج إلى بيان حكم الشرع فيها فيجب عليه أن يقصد أهل العلم لسؤالهم، ويتأكد الأمر في المسائل الكبيرة كتلك التي تتعلق بعصمة النكاح ونحوها، أما أن يستسهل الشخص الأمور ويمضي فيها برأيه ثم يرجع بعد ذلك إلى سؤال أهل العلم فهذا مسلك غير مستقيم وهو مخالف، لقوله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. {النحل:43}.
قال القرطبي رحمه الله: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده فيسأله عن نازلته فيمتثل فيها فتواه، لقوله تعالى: فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى يقع عليه الاتفاق من الاكثر من الناس. انتهى.
وعلى ذلك فإذا أقدم الشخص على التصرف في نازلته بهواه دون سؤال أهل العلم فإنه يكون آثما من هذه الجهة أعني جهة التقصير في استبيان الحكم الشرعي.
ولكن قد ثبت في الشريعة أن الحكم لا يثبت في حق المكلف إلا بعد العلم به، وعلى ذلك فلو جامع الرجل زوجته يعتقد حلها والحال أنها لا تحل له في واقع الأمر كأن كان قد طلقها ونسي ذلك، أو لم يعتقد حصول البينونة، أو علق طلاقها على شيء ففعلته وهو لا يعلم فإن الوطء حينئذ لا يكون محرما عليه ولا هو من باب الزنا. غاية الأمر أنه يلحقه الإثم لتقصيره في استبيان الحكم الشرعي.
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في بيان هذا الأصل: وأصل هذا أن حكم الخطاب هل يثبت في حق المكلف قبل أن يبلغه؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره: قيل يثبت، وقيل لا يثبت، وقيل يثبت المبتدأ دون الناسخ. والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ؛ لقوله تعالى: لأنذركم به ومن بلغ. وقوله: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. ولقوله: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. ومثل هذا في القرآن متعدد. بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول. انتهى.
وأما الكلام عن الفرق بين الزنا والسفاح فقد بيناه في الفتوى رقم: 26822.
والله أعلم.