الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبئس ما فعل هذا الرجل الذي حلف هذه اليمين الفاجرة ليؤذي بها بريئاً ويتهمه بما لم يفعله، وكون هؤلاء القوم من النصارى لا يسوغ إضرارهم بالباطل وأذيتهم بما لم يفعلوا، فإن هذا من الظلم الذي حذر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم منه أيما تحذير، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ظلمات يوم القيامة، وقال الله تعالى في الحديث القدسي الجليل الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا.
وهذه اليمين الكاذبة التي حلفها هذا الرجل فضلا ً عما اشتملت عليه من الظلم، فإن فيها صدا عن سبيل الله وتشويها للدين الحنيف، وتنفيراً للكفار عن الدخول فيه، وقد أشار الحافظ ابن كثير إلى دقيقة حسنة في تفسير قوله تعالى: ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم..
قال ابن كثير رحمه الله ما عبارته: ثم حذر تعالى عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا أي خديعة ومكراً، لئلا تزل قدم بعد ثبوتها: مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزل عن طريق الهدى، بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصد عن سبيل الله، لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به، لم يبق له وثوق بالدين، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام، ولهذا قال: وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم. انتهى.
وعليه، فالواجب على من فعل هذا أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً، وفي وجوب كفارة اليمين عليه خلاف بين العلماء، والجمهور على أن اليمين الفاجرة أعظم إثماً وأكبر جرماً من أن تكفر، ولو كفر احتياطاً وخروجاً من الخلاف فحسن، ثم إن كان يمينه قد أدى إلى ظلم أحد من هؤلاء النصارى وإيقاع عقوبة لا يستحقها به فعليه أن يسعى في دفع ذلك الظلم ورفعه ما أمكن، ولو بالذهاب إلى المسؤولين وتكذيب نفسه عندهم والاعتراف بحقيقة ما حصل.
والله أعلم.