الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم في تفسير قول الله تعالى: جعلا له شركاء فيما آتاهما.." والراجح الذي عليه المحققون منهم كابن كثير والقرطبي وغيرهما أن الذي جعل الشرك لله تعالى هم ذرية آدم وحواء، وليس آدم وحواء نفسهما، وروى ابن كثير بسنده عن الحسن البصري قال: كان هذا في بعض الملل ولم يكن بآدم، ثم قال: وأما نحن فعلى مذهب الحسن في هذا ، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء ، وإنما المراد المشركون من ذريتهما بدليل قول الله تعالى "فتعالى الله عما يشركون" وهو كالاستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس كقوله: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين. ومعلوم أن المصابيح وهي النجوم التي زينت بها السماء ليست هي التي يرمى بها ، وإنما هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها، ولهذا نظائر في القرآن..
وقال القرطبي: وقال قوم : إن هذا راجع إلى جنس الآدميين والتبيين عن حال المشركين من ذرية آدم عليه السلام ، وهو الذي يعول عليه . فقوله: جعلا له. يعني الذكر والأنثى الكافرين ، ويعنى به الجنسان . ودل على هذا: فتعالى الله عما يشركون. ولم يقل يشركان . وهذا قول حسن . وقيل : المعنى هو الذي خلقكم من نفس واحدة من هيئة واحدة وشكل واحد وجعل منها زوجها أي من جنسها فلما تغشاها يعني الجنسين . وعلى هذا القول لا يكون لآدم وحواء ذكر في الآية ، فإذا آتاهما الولد صالحاً سليماً سوياً كما أراداه صرفاه عن الفطرة إلى الشرك ، فهذا فعل المشركين.. قال عكرمة : لم يخص بها آدم ، ولكن جعلها عامة لجميع الخلق بعد آدم .. وهذا أعجب إلى أهل النظر.
وهذا هو التحقيق والحق الذي لا محيد عنه، فإن آدم- كما أشرت- اصطفاه الله وهداه وتاب عليه واجتباه. والأنبياء معصومون من الكبائر قطعا فما بالك إذا كانت شركا. وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى: 54423.
وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الآية في آدم وحواء وأن الضمير في قوله تعالى: جعلا له شركاء. يعود إليهما، ورووا في ذلك أحاديث وآثارا معلولة ضعفها ابن كثير وغيره.
والله أعلم.