الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما الدين الذي على والدك فإن كان أبوك موسرا فزكاة هذا الدين واجبة عليك، والراجح أنك مخير إن شئت زكيته مع مالك وإن شئت زكيته بعد قبضه لما مضى من السنين، وأما إن كان أبوك معسرا كما هو الظاهر ففي وجوب زكاة هذا الدين عليك خلاف، فقيل لا تجب وإنما تستقبل بالمال حولا جديدا بعد قبضه وهو مذهب الحنفية وقول إسحق ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وقيل تجب لسنة واحدة كما هو قول مالك وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز وقيل تجب بعد قبضه لما مضى من السنين وهو أحوط الأقوال، وهو مروي عن علي رضي الله عنه وغيره من الصحابة.
جاء في الموسوعة الفقهية: وأما الدين غير المرجو الأداء ، فهو ما كان على معسر أو جاحد أو مماطل ، وفيه مذاهب : فمذهب الحنفية فيه ، وهو قول قتادة وإسحاق ، وأبي ثور ، ورواية عن أحمد ، وقول مقابل للأظهر للشافعي : أنه لا زكاة فيه لعدم تمام الملك ؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به .
والقول الثاني وهو قول الثوري ، وأبي عبيد ورواية عن أحمد ، وقول للشافعي هو الأظهر : أنه يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين ، لما روي عن علي رضي الله عنه في الدين المظنون " إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى . وذهب مالك إلى أنه إن كان مما فيه الزكاة يزكيه إذا قبضه لعام واحد وإن أقام عند المدين أعواما . وهو قول عمر بن عبد العزيز ، والحسن والليث ، والأوزاعي . انتهى
وإذا علمت ما مر فإن الأقوال المذكورة تكاد تكون متكافئة في القوة ولكل منها تعليله الناهض والآثار التي يستدل بها قائله عن السلف الطيب، والمختار عندنا هو أحوط الأقوال وأبرؤها للذمة وهو قول الشافعية والمعتمد عند الحنابلة وهو وجوب زكاته عند قبضه لما مضى من السنين. وراجع الفتوى رقم: 119194.
وأما ما ذكرته من كونك لو قبضت هذا المال كنت كسوت به بيتك فتجعله مقام تلك الكسوة فكلام لا وجه له لأن هذا المال قد حال عليه الحول وهو مملوك لك على صورته النقدية التي تجب فيها الزكاة، فإن قلنا بوجوب الزكاة في الدين كما هو المفتى به عندنا فزكاة هذا المال واجبة عليك، وأما إسقاط الدين الذي على أبيك وحساب ذلك من الزكاة فلا يجوز في قول الجماهير كما أوضحنا ذلك في الفتوى رقم: 138688، وكذا لا يجوز أن تدفع الزكاة لأبيك وتشترط عليه أن يقضي بها دينه كما صرح بذلك العلماء، ولكن لو كان أبوك عاجزا عن وفاء الدين ودفعت إليه الزكاة دون أن تشترط عليه سداد دينه فقضاك دينك من هذا المال أجزأك ذلك عن زكاتك ما لم يكن شرطا كما ذكرنا، وإن لم يجز أن تدفع الزكاة إليه مع اشتراط أن يردها عليك فأولى ألا يجوز أن تدفعها إلى نفسك.
قال النووي رحمه الله: إذا دفع الزكاة إليه بشرط أن يردها إليه عن دينه فلا يصح الدفع ولا تسقط الزكاة بالاتفاق ولا يصح قضاء الدين بذلك بالاتفاق ممن صرح بالمسألة القفال في الفتاوى وصاحب التهذيب في باب الشرط في المهر وصاحب البيان هنا والرافعي وآخرون ولو نويا ذلك ولم يشرطاه جاز بالاتفاق وأجزأه عن الزكاة وإذا رده إليه عن الدين برئ منه. انتهى.
وأما ما تدفعه لأبيك من النفقة فإن كان فقيرا عاجزا عن النفقة على نفسه فنفقته واجبة عليك ومن ثم فلا يجوز لك أن تحتسب ما تنفقه عليه من الزكاة إلا إن كنت عاجزا عن النفقة عليه فقد أجاز كثير من العلماء في هذه الحال حساب ما تنفقه عليه من زكاة المال، وأما إن كان أبوك غنيا قادرا على النفقة فعدم جواز احتساب ما تدفعه إليه من الزكاة ظاهر، وقد بينا الحالات التي يجوز فيها إعطاء الزكاة لمن تلزم نفقته من الوالدين والأولاد في الفتوى رقم: 121017 ورقم: 129921 فراجعهما.
والله أعلم.