الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك ولا خلاف في إمامة الإمام الشافعي في العلم والعمل، وأنه من أهل الاجتهاد المطلق، وأنه من مفاخر العلوم الشرعية، ومن ذوي العقول الفذة والبصائر النيرة، وإذا تحاكمنا إلى هذا الإمام الكبير في ما قاله إمام مسجدكم، فإن القضية تستبين وتحسم، حيث قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى: ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه.
وذكر القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي ـ وهو من كبار أئمة الحديث: كان يجالس الشافعي ويصحبه مع أحمد بن حنبل، فكان الشافعي يقول لهما: ما صح عندكما من الحديث فاعلماني لأتبعه، لأنكما أعلم مني بالحديث. اهـ.
فهذا هو فقه الأئمة، يقوم على تعظيم النصوص والرجوع لها والتحاكم إليها، وهذا موضع اتفاق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته: رفع الملام عن الأئمة الأعلام: الأئمة متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وللإمام ابن القيم في كتابه الفذ إعلام الموقعين باب مهم ومفيد جدا في تحريم الإفتاء والحكم في دين الله بما يخالف النصوص وسقوط الاجتهاد والتقليد عند ظهور النص وذكر إجماع العلماء على ذلك فيا حبذا لو رجعتم إليه فستجدون ما يشفي ويكفي ـ إن شاء الله تعالى ـ وللمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 26480، 127607، 121511، 4402.
ومن المفيد أن يعرف إمام مسجدكم أن أئمة المذهب الشافعي ـ كالبيهقي وابن المنذر والنووي ـ ينسبون لمذهب الإمام الشافعي ما يخالف المنقول عنه، طالما صحت السنة بذلك من غير معارضة، ومن أمثلة ذلك ما قاله النووي في المجموع: الصواب الجزم بجواز صوم الولي عن الميت ـ سواء صوم رمضان والنذر وغيره من الصوم الواجب ـ للأحاديث الصحيحة السابقة ولا معارض لها، ويتعين أن يكون هذا مذهب الشافعي، لأنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي واتركوا قولي المخالف له ـ وقد صحت في المسألة أحاديث كما سبق، والشافعي إنما وقف علي حديث ابن عباس من بعض طرقه كما سبق، ولو وقف على جميع طرقه وعلى حديث بريدة وحديث عائشة عن النبي صلي الله عليه وسلم لم يخالف ذلك. اهـ.
وإذا تقرر ذلك عرف خطأ إمام المسجد في ما ادعاه ـ سواء من حيث التأصيل، أو من حيث التفصيل.
وأما مسألة تكفيره لمن يصلي التراويح ثماني ركعات: فهذه مجازفة فجة تنم عن جهل شديد وعصبية مقيتة لا يمكن أن تصدر عن إمام مسجد تعلم مبادئ العلم الشرعي، فصلاة التراويح ليست بفرض إجماعا، فلا يأثم تاركها بالكلية فضلا عن من لا يكملها عشرين ركعة، فما بالك بتكفيره؟! فكيف لو كان هذا العدد ثماني ركعات هو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم؟! وراجع في ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، الفتوى رقم: 721.
وأما مسألة الطعن في أهل العلم وسبهم وانتقاصهم: فمن المخازي الكبار ـ وسواء وافقناهم، أو خالفناهم في الترجيح ـ وحق العلماء وفضلهم لا يماري فيه إلا جاحد، فلابد من التزام الأدب معهم على أية حال، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 125758، ورقم: 131895، وما أحيل عليه فيهما.
وأما مسألة الأحاديث المكذوبة والموضوعة: فنشرها من أعظم الفرى، والتثبت فيما ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم أمر لازم، ولابد من مناصحة من يتهاون في هذا الأمر، وراجع في ذلك الفتويين التاليتين: 31891 41661.
وأما مسألة الصلاة خلف هذا الإمام: فإن لم يوجد مسجد غير مسجده، فعليك ـ أيها السائل الكريم ـ أن تصبر وتتحلى بالحكمة في معاملته، ولا تنقطع عن المسجد، وانصح له ولأهل المسجد بالحكمة والموعظة الحسنة وادعُ لهم بالتوفيق والسداد والهداية والرشاد، وراجع الفتوى رقم: 70763.
والله أعلم.