الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحل إشكال السائل الكريم وجواب سؤاله يكمن في التفريق بين أنواع الحياة، فمن الخطأ الواضح أن يعتقد المرء أن الحياة لها نوع ونمط واحد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الحياة نوعان: حياة الحيوان، وحياة النبات. فحياة الحيوان خاصتها الحس والحركة الإرادية. وحياة النبات خاصتها النمو والاغتذاء.
وقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} إنما هو بما فارقته الحياة الحيوانية دون النباتية؛ فإن الشجر والزرع إذا يبس لم ينجس باتفاق المسلمين، وقد قال تعالى: {والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها} وقال: {اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها} فموت الأرض لا يوجب نجاستها باتفاق المسلمين، وإنما الميتة المحرمة: ما فارقها الحس والحركة الإرادية. وإذا كان كذلك فالشعر حياته من جنس حياة النبات، لا من جنس حياة الحيوان؛ فإنه ينمو ويغتذي ويطول كالزرع، وليس فيه حس ولا يتحرك بإرادته، فلا تحله الحياة الحيوانية حتى يموت بمفارقتها فلا وجه لتنجيسه. اهـ.
وقد ذكر نحو ذلك ابن القيم أيضا في (زاد المعاد) ونقل فيه عن طائفة من الأطباء قولهم: بين الحيوان والنبات قدر مشترك من وجوه عديدة منها : النمو والاغتذاء والاعتدال، وفي النبات قوة حس تناسبه .. اهـ.
وقد سبق أن نبهنا على تمايز نوعي الحياة: حياة النمو والاغتذاء غير الإراديين، وهي الحياة التي توجد في كافة الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات. وبين الحياة الحسية الإرادية التي تختص بالإنسان والحيوان، وذلك في الفتوى رقم: 64151.
كما سبق أن نبهنا على أن الشجر والنباتات عامة ليس فيها روح، وأن هذا أمر معلوم بالاضطرار، فلا يقول عاقل: إن للشجر روحا، وإنه لا فرق بينه وبين ذوات الأرواح، فالشجر فيه حياة لكن ليست فيه روح، وراجع في ذلك الفتويين: 80291، 32282.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 3242، 73386.
والخلاصة أن لكل كائن حي حياة تناسبه، ولا يلزم من ذلك أن يكون فيه الروح الخاصة بالحيوان الحي المتحرك بالإرادة.
وأما قول السائل: (قد يكون الإنسان يتحرك ويأكل ويشرب وليس به روح) !! فهذا لا يستقيم فإن حركة الإنسان الإختيارية وأكله وشربه في الحياة الدنيا لا تكون إلا بإرادة، والإرادة في هذه الدنيا إنما هي أثر لوجود الروح، ولذلك كان الموت بالنسبة للإنسان إنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها له، كما أن الحياة بالنسبة له إنما هي تعلق الروح بالبدن واتصالها به، كما بيناه في الفتوى رقم: 14876.
والله أعلم.