الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن السؤال عن هذا مما لا ينفع علمه ولا يضر جهله، وينبغي للمسلم أن يسأل عن شيء ينبني عليه عمل، ولكن استجابة لرغبة السائلة في الجواب نقول: لقد نص القرآن الكريم على أن أهل الجنة يحصل لهم فيها ما يشاءون كما قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ {النحل:31}
وقال سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. {الشورى: 22} ، وقال عز وجل: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ {ق: 35}.
قال السعدي: أي: كل ما تعلقت به مشيئتهم، فهو حاصل فيها. اهـ. وقال عند قوله تعالى: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا {الفرقان: 16} أي: يطلبون وتتعلق بهم أمانيهم ومشيئتهم، من المطاعم والمشارب ... والأنهار التي تجري في رياض الجنة وبساتينها، حيث شاءوا يصرفونها ويفجرونها. اهـ.
وقال الدكتور عبد الرزاق الرضواني في (أسماء الله الحسنى): كلما انقضى لأهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيما آخر لا نفاد له ( وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ) (الطور :22) ( لهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلدَيْنَا مَزِيدٌ ) (قّ:35) فتحقيق المراد لأهل الجنة علقه الله بمشيئتهم؛ إكراما لهم وإظهارا لمحبتهم، بعكس الوضع في الدنيا فتحقيق المراد لأهل الدنيا علقه الله بمشيئته لا بمشيئتهم، ابتلاء لهم وإظهار لإيمانهم، ولذلك يقول: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ العَاجِلةَ عَجَّلنَا لهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلنَا لهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوما مَدْحُورا) {الإسراء :18} اهـ.
ومما يذكر هنا، ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية: أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى ولكني أحب أن أزرع. قال: فبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء. فقال الأعرابي: والله لا تجده إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي طلب هذا الرجل من أهل الجنة وقوله: "ولكني أحب أن أزرع" دليل واضح على أن أهل الجنة لهم من المشيئة والإرادة والاختيار ما يزيد به نعيمهم واستمتاعهم.
والله أعلم.