الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكرته يؤيد ما قررناه مرارا من أن الزواج بالكتابية وإن كان جائزا إلا أن تركه أفضل لما يكتنفه من المفاسد العظيمة، والتي تزيد وتتضاعف إذا كان الزواج بها في ديار الكفر، فليحذر المسلمون غائلة هذا الأمر وليحتاطوا لدينهم الذي هو أعز شيء عندهم ولتكن لهم العبرة بما حصل لهذا الرجل ـ عفا الله عنه ـ وانظر الفتوى رقم: 5315.
وأما هذا الرجل: فالأصل أنه مات على الإسلام، ولا يحكم بردته ـ والعياذ بالله ـ إلا ببينة عادلة، وادعاء تلك المرأة النصرانية لا يكفي لإثبات ردته، ومن ثم فقد كان الواجب لهذا الرجل أن يقام بحقه من تغسيل وتكفين وصلاة عليه ودفن في مقابر المسلمين، فإن كنتم عجزتم عن ذلك ـ كما هو ظاهر السؤال ـ فنرجو أن لا يكون عليكم إثم في ذلك.
وأما صلاة الغائب على هذا الرجل: فلا تشرع عند أكثر العلماء، لأنها إنما تشرع على من كان خارج البلد وحكى النووي خلاف الشافعية في هذا فقال في شرح المهذب: أما إذا كان الميت في البلد فطريقان: المذهب وبه قطع المصنف والجمهور: لا يجوز أن يصلى عليه حتى يحضر عنده، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يصل على حاضر في البلد إلا بحضرته، ولأنه لا مشقة فيه بخلاف الغائب عن البلد.
والطريق الثاني: حكاه الخراسانيون، أو أكثرهم فيه وجهان أصحهما: هذا، والثاني: يجوز كالغائب. انتهى.
وفي المغني: فإن كان الميت في أحد جانبي البلد لم يصل عليه من بالجانب الآخر: وهذا اختيار أبي حفص البرمكي، لأنه يمكنه الحضور للصلاة عليه، أو على قبره. انتهى.
فإن أمكنكم أن تخرجوه من قبره وتغسلوه وتكفنوه وتصلوا عليه بلا مفسدة راجحة فافعلوا، وإن لم يمكنكم ذلك فائتوا قبره فاجعلوه بينكم وبين القبلة وصلوا عليه، ويسقط حينئذ عنكم فرض التغسيل والتكفين للعذر، قال في كشاف القناع: وكذا غريق ونحوه كأسير فيصلى عليه إلى شهر ويسقط شرط الحضور للحاجة والغسل لتعذره أشبه الحي إذا عجز عن الغسل والتيمم. انتهى.
فإن عجزتم عن ذلك فلا حرج في الأخذ بقول من يجيز الصلاة على الغائب وإن كان في البلد وهو وجه للشافعية كما مر، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
والله أعلم.