الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن المستقبل بيد الله تعالى، وأن كل ما يصيب المرء من خير أو شر إنما هو بقضائه وقدره سبحانه، وقد كَتَبَه عز وجل في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق، والإيمان بذلك هو بلسم الحياة الذي يزيل الأسى والحزن، وراجع تفصيل ذلك للأهمية في الفتوى رقم: 131433.
فهوّن عليك أخي الكريم؛ فالدنيا بأسرها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ثم إن الغني ليس في كثرة المال، وكذلك السعادة ليست في ذلك، وإنما الحق هو ما نطق به الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه حيث قال: ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس. متفق عليه.
وقال: إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر. رواه أبو داود وصححه الألباني.
فاصبر أخي الكريم وارض بقضاء الله واعلم أن اختيار الله تعالى لك خير من اختيارك لنفسك، فهو سبحانه أرحم بك منك ومن أمك التي ولدتك، ولكن الإنسان لا يدرك ذلك لأنه بطبعه ظلوم جهول، فهو لا يعلم ما هو الأصلح له في العاجل والآجل معا، فقد يتمنى العبد شيئا وفيه هلكته، وقد يكره شيئا وفيه منفعته، ولذلك قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {البقرة: 216}
وقال سبحانه: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً {النساء: 19}. فتلمس ـ أخي الكريم ـ رحمة الله بك في قضائه لك، ولتدع عنك وسوسة الشيطان وإحزانه، فما يدريك إلى أي حال تصير لو وصلت إليك تلك المنحة فالأمر لله تعالى يدبره بعلمه وحكمته، وقد قال تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ. {الشورى/27}.
قال ابن كثير: أي: ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم، وهو أعلم بذلك فيغني من يستحق الغنى، ويفقر من يستحق الفقر. كما جاء في الحديث المروي: "إن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه. اهـ.
ثم لو قدِّر أن حرمانك مما تحب حصوله ابتلاء ومحنة، فاعلم أن الآخرة خير وأبقى، وأن الجزاء فيها هو الجزاء الأوفى، قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وحسنه الألباني. وراجع لتمام الفائدة الفتوى رقم: 35549.
والله أعلم.