الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت إنما ترخصت بما ترخصت به تقليدا لمن تثق به من أهل العلم فقد فعلت ما وجب عليك، فإن فرض العامي أن يقلد من يثق بعلمه وورعه، وانظر الفتوى رقم: 120640.
ومن ثم فلا يلزمك شيء إن شاء الله، والقول بجواز الدفع من عرفة قبل الغروب هو المصحح عند الشافعية ورجحه العلامة الأمين الشنقيطي في الأضواء فهو قول معتبر والخلاف في المسألة سائغ، وكذا الرمي قبل الزوال في يوم النفر الأول مروي عن أبي حنيفة وأحمد وهو قول بعض الحنابلة، فالمسألة من مسائل الاجتهاد وإن كان الراجح عندنا أن الرمي لا يجوز إلا بعد الزوال، وأما عدم مبيتك بمنى فما ذكرته من عدم وجود مكان بمنى تبيت فيه وحاجتك لرعاية أمك العجوز مما قد يكون مرخصا لك في ترك المبيت عند بعض العلماء.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا اجتهد الحاج في التماس مكان في منى ليبيت فيه ليالي منى فلم يجد شيئا فلا حرج عليه أن ينزل في خارجها لقول الله عز وجل : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ولا فدية عليه من جهة ترك المبيت في منى ؛ لعدم قدرته عليه. انتهى.
وأما تركك المبيت بمزدلفة فاعلم أن المبيت بمزدلفة واجب على الراجح من أقوال أهل العلم، وانظر الفتوى رقم: 138602، فإن كان في مقدوركم أن تدخلوا مزدلفة ولو مشيا ثم فرطتم في ذلك وقصرتم حتى ذهب وقت المبيت بمزدلفة فقد أسأتم ولزمكم دم يذبح في مكة ويوزع على فقراء الحرم، فمن عجز عن ذبح الهدي فعليه بدله وهو صيام عشرة أيام، وأما إن كنتم عجزتم عن الدخول إلى مزدلفة فلا إثم عليكم، وفي لزوم الدم والحال هذه خلاف، والأحوط هو ذبح الهدي لتبرأ الذمة بيقين.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله:: قال بعض علمائنا: إنه لا شيء عليه-أي على من لم يستطع الوصول إلى مزدلفة- لأنه قد اتقى الله قدر ما استطاع، ولم يستطع الوصول إلى مزدلفة فيسقط عنه الواجب، وقال بعض العلماء: إن عليه فدية لترك الواجب، لكن لا إثم عليه لأنه لم يستطع، والفدية بدل عن هذا الواجب، وتذبح في مكة وتوزع على الفقراء، فإن كان الإنسان ذا ميسرة فهذا سهل عليه ، وإن كان ذا عسر فليس عليه شيء. انتهى.
واعلم أنه حيث لزمك الدم أو أردت الاحتياط بالخروج من خلاف العلماء فعليك ذبح هدي عن كل واجب تركته، وإذا عجزت عن ذبح الهدي بمكة فعليك صيام عشرة أيام قياسا على من عجز عن دم التمتع، ورجح الشيخ العثيمين رحمه الله أن من عجز عن الهدي لم يلزمه شيء، والأول أحوط، وإذا لزم أمك الهدي أو أرادت الاحتياط فإن عجزت عن ذبحه فعليها صيام عشرة أيام كما مر، فإن عجزت فلا شيء عليها لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يجزئ أن تصوم عنها فإن الصوم لا ينوب فيه حي عن حي، وانظر الفتوى رقم: 45744.
مع التنبيه إلى أن من أهل العلم من لا يوجب إلا دما واحدا في ترك جميع الرمى ومبيت منى ومزدلفة.
قال الشيخ الدردير: وعليه للرمي ومبيت ليالي منى ونزول مزدلفة لحصر عما ذكره هدي واحد كنسيان الجميع أي جميع ما تقدم. مثل ولو تعمد تركها فهدي واحد عند أبي القاسم. انتهى.
فلا بأس لمن ضعف عن بعض هذه الأمور ولم يقدر على أكثر من هدي واحد أن يقلد هذا القول.
والله أعلم.