الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالوساوس شر عظيم فكن على حذر منها، فإن فتح بابها يجلب عليك من الشر ما لا قبل لك به، وانظر لكيفية التغلب على الوساوس ومعالجتها الفتوى رقم: 51601، ورقم: 134196.
وأما ما ذكرته عن معاملاتك المالية فنحن نسأل الله أن يزيدك حرصا على الخير، ولكن اعلم أن الورع المحمود هو الذي لا يحمل صاحبه على التنطع وترك ما يتيقن حله وإباحته، فإذا بالغ العبد في ذلك حتى ضيق على نفسه وترك ما رخص الله فيه مما ليس فيه شبهة كان ذلك مذموما لما فيه من الغلو ومجافاة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأي حرج في أن تقبل هدية من أخيك حين يدفع هو حساب الطعام وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية.
وإذا استأجرت إنسانا فاتفقت معه على أجرة رضي بها فأنت إذا وفيته أجرته دون أن تنقصه شيئا كنت محسنا وليس في ذلك ظلم ما دام قد رضي بتلك الأجرة، ولم يكن عليك أن تزيده شيئا، وإذا سقط شيء منك من المال فخذه فإنه مالك أباح الله لك الانتفاع به وليس تركك له من الورع المحمود البتة، وقد بين العلماء أقسام الورع ونبهوا على أن الغلو في هذا الباب ليس مما ينبغي.
قال الحافظ في الفتح: وترك ما يشك فيه أصل عظيم في الورع.
وقد روى الترمذي من حديث عطية السعدي مرفوعا: لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس. وقد تقدمت الإشارة إليه في كتاب الإيمان ، قال الخطابي: كل ما شككت فيه فالورع اجتنابه . ثم هو على ثلاثة أقسام : واجب ومستحب ومكروه ، فالواجب اجتناب ما يستلزمه ارتكاب المحرم ، والمندوب اجتناب معاملة من أكثر ماله حرام ، والمكروه اجتناب الرخص المشروعة على سبيل التنطع. انتهى.
وقد بوب البخاري في صحيحه باب: من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات.
قال الحافظ رحمه الله: وغرض المصنف هنا بيان ورع الموسوسين كمن يمتنع من أكل الصيد خشية أن يكون الصيد كان لإنسان ثم أفلت منه، وكمن يترك شراء ما يحتاج إليه من مجهول لا يدري أماله حلال أم حرام وليست هناك علامة تدل على الثاني ، وكمن يترك تناول الشيء لخبر ورد فيه متفق على ضعفه وعدم الاحتجاج به ويكون دليل إباحته قويا وتأويله ممتنع أو مستبعد. انتهى.
فإذا علمت هذا فعليك أن تتقي الله ما استطعت وتتحرى الحلال جهدك فلا تعامل من الشركات من يتعامل بالربا، وإذا بعت شيئا فبيّن للمشتري ما فيه من العيب إن وجد، ولكن لا يحملنك الورع وطلب الحلال على الغلو والتنطع فلا تقبل الهدية من أحد ولا تلتقط مالك إذا سقط منك.
والله أعلم.