الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أننا لا نلزم أحدا باتباع ما نفتي به، وإنما نقرر ما نراه راجحا، والمكلف إذا كان عاميا فله أن يتبع من يثق بعلمه ودينه فيقلده فيما يفتي به، وما دمت مالكي المذهب فلا حرج عليك في تقليد مالك ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة وغيرها، لأن فرض العامي أن يقلد أهل العلم كما مر، ولكن ههنا أمران لا بد من بيانهما لك أولهما فيما يتعلق بمذهب المالكية فإنهم يعفون عن النجاسة في مثل هذه الصورة، فإن من استنكحه الحدث وهو من أصابه الحدث أي بغير اختيار ولو مرة في اليوم يعفى له عن النجاسة في بدنه وثوبه، ولكن حدثه هذا ناقض للوضوء ما لم يصل إلى حد السلس وهو الذي يلازم نصف الوقت فأكثر، هذا خلاصة مذهب المالكية في هذه المسألة، وانظر الفتوى رقم: 75637ففيها تفصيل مذهب المالكية في هذه المسألة ونقل كلام فقهائهم فيها.
فإذا علمت هذا فلا خلاف بين المالكية والجمهور في وجوب أن تنتظر حتى ينقطع خروج هذا الخارج ما دام يلازمك أقل من نصف الوقت ثم تتوضأ بعد انقطاعه، وإذا توضأت قبل انقطاعه ثم خرج منك شيء فقد بطل وضوؤك ولزمك إعادته، وإنما الذي يسهل فيه المالكية هو أمر النجاسة فيعفون عما يصيب منها للمشقة، وإذا علمت ما مر فإن الصلوات التي خرج منك البول، أو المذي بعد وضوئك لها لم تقع صحيحة لا عند المالكية ولا عند غيرهم، ومن ثم فيلزمك إعادتها، وفي وجوب إعادتها خلاف مر إيضاحه في الفتوى رقم: 125226
والأحوط أن تعيدها، هذا الأمر الأول، وأما الأمر الثاني فهو أن مذهب الجمهور الذي نفتي به ليس فيه بحمد الله تشديد ولا تعسير على المكلفين، ولا يستلزم ما ذكرته من إضاعة الوقت ونحو ذلك، فإن من يعلم أن خروج البول يستمر مدة بعد قضائه حاجته يتحفظ بشد خرقة، أو نحوها على الموضع حذرا من انتشار النجاسة في الثياب ثم يمارس حياته بصورة عادية غير أنه لا يتوضأ للصلاة حتى يعلم انقطاع هذا الخارج فيزيل ما تحفظ به ثم يعيد الاستنجاء ويتوضأ ويغسل ما أصاب بدنه، أو ثوبه من النجاسة، وليس عليه حرج في تأخير الصلاة عن أول وقتها، لأنه يؤخرها لعذر وهو تحصيل الطهارة الواجبة، وليس عليه إثم كذلك إن فاتته الجماعة، لأنها فاتته لعذر والحال هذه، وقد أسلفنا أنه لا تثريب عليك في تقليد المالكية في هذه المسألة، ولا يفوتنا أن ننبهك إلى ضرورة الإعراض عن الوساوس فلا تلتفت إلى شيء منها وإن كان شعورك بخروج الخارج مجرد وسوسة فلا تعره اهتماما، وانظر الفتوى رقم 134196.