الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ضمة القبر والصعق عند النفخ في الصور وسؤال الملكين كل ذلك ثابت بالكتاب والسنة، ولا ينجو منها إلا ما استثني بالكتاب والسنة، وقد ثبت أن من الناس من استثني من ذلك.
فضمة القبر نائلة كل أحد، لكنها تختلف من شخص لآخر، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 134117، ويستثنى منها الأنبياء كما ذكر أهل العلم، وكذلك الشهداء، ومن مات مرابطا في سبيل الله، فقد صح أنهم لا يفتنون في قبورهم، وضغطة القبر الشديدة من جملة فتنة القبر، قال المناوي في فيض القدير: تنبيه ! قد أفاد الخبر أن ضغطة القبر لا ينجو منها أحد صالح ولا غيره، لكن خص منه الأنبياء كما ذكره المؤلف في الخصائص. انتهى.
وفي سنن الترمذي: عن المقدام بن معدي كرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه. صححه الألباني.
وفي سنن الترمذي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في فضل الرباط: رباط يوم في سبيل الله أفضل، وربما قال خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات فيه وقي فتنة القبر، ونمي له عمله إلى يوم القيامة.
قال في تحفة الأحوذي: (وقي فتنة القبر ) أي مما يفتن المقبور به من ضغطة القبر والسؤال والتعذيب. انتهى.
وقد استثني من الصعق بعض من اصطفاهم الله أيضا قال البخاري: باب { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } ) ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش فلا أدري أكذلك كان أم بعد النفخة).
وقد ذكر أهل العلم عدة أقوال في تعيين ما استثنى الله من الصعق؛ فقيل إن موسى منهم، ففي البخاري أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله).
قال الحافظ ابن حجر: والمراد بالصعق غشي يلحق من سمع صوتا أو رأى شيئا يفزع منه قال: وورد التصريح بأن الشهداء ممن استثنى الله. أخرجه إسحاق بن راهويه وأبو يعلى من طريق زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة. انتهى بحذف.
وقد استثني الشهداء من سؤال الملكين كما سبق بيانه في الفتوى رقم:32415 .
وبهذا يعلم أن الأمور الثلاثة، ضمة القبر، والصعق، وسؤال الملكين صحيحة، وستنال سائر الناس إلا ما استثني من ذلك.
ثم إنه لا يعقل عدم المرور بالحياة البرزخية، فكل الناس يمرون بها بما في ذلك الأنبياء والشهداء وسائر الناس يمكثون في حياتهم البرزخية ولا يدخلون الجنة أو النار إلا بعد بعثهم، ولكنهم ينعمون أو يعذبون في البرزخ، فأرواح المؤمنين في نعيم، وللشهداء مزية كما سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 31047، والفتوى رقم: 96861.
أما من يدخل الجنة بغير حساب فإنهم أصناف، وكونه لا يحاسب لا يعني أنه لا يشهد أهوال القيامة، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أناس فيدخلون الجنة بغير حساب، وهذا في عرصات القيامة. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وفي حديث جابر عند ابن أبي حاتم والحاكم من زادت حسناته على سيئاته فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب. انتهى.
ووزن الأعمال إنما يكون في عرصات القيامة أيضا مع أن أحوال يوم القيامة غيب لا يعلم حقيقة ما يجري فيها إلا الله سبحانه وتعالى، فقد ينعم الله على بعض عباده فيدخلهم الجنة من غير أن يسبق عليهم عذاب ولا حساب، لا في القبر ولا فيما بعده. قال العيني في عمدة القاري وقد ذكر حديث الترمذي عن أبي أمامة رفعه: وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي. قال: قلت احتمال الزيادة في السبعين باق لأن المراد منه ليس خصوص العدد والحثيات كناية عن المبالغة في الكثرة. انتهى.
والحديث المذكور قال عنه الحافظ ابن حجر: أخرجه الترمذي وحسنه والطبراني وابن حبان في صحيحه. انتهى.