الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأفضل في الصورة المذكورة ـ إن شاء الله ـ هو أن يصلي جماعة في المسجد ولو فاته بعض الصلاة، وذلك لما للمسجد من فضيلة عظيمة، وهذا هو الذي يتحصل من كلام فقهاء الشافعية، فإنهم نصوا على أن الأولى لداخل المسجد وقد فاته بعض الجماعة أن ينتظر ليصلي في جماعة كاملة إن علم أنه يدرك جماعة أخرى إلا إن كانت الجماعة التي فاته بعضها تفضل الجماعة الأخرى في بعض ما يفضل به قليل الجمع كثير الجمع، وقد نصوا على أن الصلاة في جماعة قليلة في المسجد أفضل من الصلاة في جماعة كثيرة خارجه وإن نازع فيه بعضهم، فيتحصل من هذا أن إدراك بعض الجماعة في المسجد أفضل من إدراكها كلها خارجه، وهذا بيان ما يتحصل من كلام الشافعية، فقد قال الشيخ علي الشبراملسي: وعبارة شيخنا الزيادي: ويسن لجمع حضروا والإمام قد فرغ من الركوع الأخير أن يصبروا إلى أن يسلم الإمام ثم يحرموا ما لم يضق الوقت، وإن خرج بالتأخير وقت الاختيار على الأوجه، وكذا لو سبق ببعض الصلاة ورجا جماعة يدرك معهم الكل: أي إن غلب على ظنه وجودهم وكانوا مساوين لهذه الجماعة في جميع ما مر، فمتى كان في هذه شيء مما يقدم به الجمع القليل كانت أولى. انتهى.
وعبارة مغني المحتاج في بيان أفضلية الصلاة في المسجد ولو قل الجمع: وقضية كلام الماوردي أن قليل الجمع في المسجد أفضل من كثيره في البيت وهو كذلك وإن نازع في ذلك الأذرعي بالقاعدة المشهورة وهي أن المحافظة على الفضيلة المتعلقة بالعبادة أولى من المحافظة على الفضيلة المتعلقة بمكانها، لأن أصل الجماعة وجد في المسجد. انتهى.
وما تحصل من كلام الشافعية يتحصل كذلك من كلام الحنابلة، قال في مطالب أولي النهى: من أدرك جماعة في الأثناء ـ أي: أثناء الصلاة ـ و يعلم أن بعدها تقام جماعة أخرى، فهي ـ أي: الجماعة التي ستقام ـ أفضل، لأنه يدخل فيها من أولها إلا أن تتميز الجماعة الأولى بكثرة جمع، أو فضل إمام، أو راتبة أي: إمامها راتب قاله الشيخ تقي الدين. انتهى.
ويقوي ما ذكرناه من أن الأفضل الصلاة في المسجد ولو سبق ببعض الصلاة ما وقع من خلاف العلماء في إيجاب الجماعة في المسجد، فإن جماعة من العلماء يرون وجوب الجماعة في المسجد، وهذا وإن كان خلاف قول الجمهور، لكنه قول معتبر له حظ من النظر، وقد نصره ابن القيم في كتاب الصلاة، فالخروج من هذا الخلاف أولى، ونحن لم نطلع على نصوص صريحة للعلماء في خصوص هذه المسألة فضلا عن أن نطلع على خلاف لهم فيها، ولكن ما ذكرناه هو الذي يظهر لنا من كلام الفقهاء وهو ما نراه راجحا لما عرفناك.
والله أعلم.