الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنحن المسلمين لسنا ملزمين إلا بطاعة الله تعالى وطاعة من أَمَرَنا سبحانه بطاعته، كطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الباب طاعة أهل العلم القادرين على استنباط الأحكام من نصوص الوحي المعصوم، لأنهم في الحقيقة مبلغون عن الله تعالى، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 135397.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: حاجة الناس إليهم ـ يعني فقهاء الإسلام ـ أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر ـ قال عبد الله بن عباس في إحدى الروايتين عنه وجابر بن عبد الله والحسن البصري وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح والضحاك ومجاهد في إحدى الروايتين عنه: أولو الأمر هم العلماء ـ وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وقال أبو هريرة وابن عباس في الرواية الأخرى وزيد بن أسلم والسدي ومقاتل: هم الأمراء ـ وهو الرواية الثانية عن أحمد، والتحقيق أن الأمراء إنما يطاعون إذ أمروا بمقتضى العلم، فطاعتهم تبع لطاعة العلماء، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم، فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء. اهـ.
وبهذا يظهر وجوب اتباع العامي فيما يفتيه به العالم في أمور الشريعة وحرمة المخالفة له في ذلك، وأما غير ذلك من أمور المعاش ونحوها فلا، ويدل على ذلك ما في صحيح مسلم عن رافع بن خديج قال: قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النخل فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنعه، قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا، فتركوه فنفضت، أو فنقصت، فذكروا ذلك له فقال: إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر.
وراجع في ذلك الفتويين رقم: 57742، ورقم: 61047.
والله أعلم.