الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه أن يرحم أباك، ويجزيه خيرا على تحريه العدل بين أولاده.
وأما بخصوص هذه الوصية فلا يجب تنفيذها لأن الأب إذا زوج أولاده الذين احتاجوا إلى الزواج، ولم يكن معهم من المال ما يتزوجون به فلا يجب عليه أن يعطي باقي أولاده الصغار الذين لم يبلغوا سن النكاح مثل ما أعطى الكبار للزواج، لكن إن بلغ الصغار حد الزواج – وهو على قيد الحياة - زوجهم كما زوج إخوتهم، فإن مات فلا يجوز له أن يوصي لهم بمال من التركة يتزوجون به.
جاء في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" للعثيمين: ولو احتاج أحدهم إلى تزويج والآخر لا يحتاج ، فالعدل أن يعطي من يحتاج إلى التزويج ولا يعطي الآخر، ولهذا يعتبر من الغلط أن بعض الناس يزوج أولاده الذين بلغوا سن الزواج، ويكون له أولاد صغار، فيكتب في وصيته: إني أوصيت لأولادي الذين لم يتزوجوا، أن يُزَوج كل واحد منهم من الثلث، فهذا لا يجوز؛ لأن التزويج من باب دفع الحاجات، وهؤلاء لم يبلغوا سن التزويج، فالوصية لهم حرام ، ولا يجوز للورثة ـ أيضاً ـ أن ينفذوها إلا البالغ الرشيد منهم إذا سمح بذلك، فلا بأس بالنسبة لحقه من التركة. انتهى.
وإن أوصى أولاده الكبار بتزويج الصغار فهذه الوصية غير واجبة التنفيذ لأنه لم يوص بأمر واجب.
جاء في فتاوى الأزهر: ومن البر بالوالدين تنفيذ وصيتهما بعد موتهما ، لحديث أبي داود وابن ماجه وابن حبان أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : هل بقي من بر أبوي شيء بعد موتهما؟ فقال "نعم ، الصلاة عليهما -أي الدعاء- والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما.
وإنفاذ عهدهما من بعدهما قد يراد به أن ينفذ الولد العهود التي تعهد بها والداه لغيرهما من الناس ولم يستطيعا تنفيذها قبل الموت ، كالديون مثلا، وقد يراد تنفيذ العهود والوعود التي عهد الوالدان للولد أن ينفذها بعد الموت ، لكن ذلك كله في الشيء الواجب فيكون التنفيذ واجبا ، وفي المندوب يكون التنفيذ مندوبا، وفي غير ذلك فلا تنفيذ لأي عهد. انتهى.
وعليه، فإن نفذتم الوصية وزوجتم إخوتكم فهذا خير تؤجرون عليه إن شاء الله، وهو من تمام البر بأبيكم. أما أن ذلك واجب محتم عليكم فلا بموجب هذه الوصية.
والله أعلم.