الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي نرى ألا تقيموا الجمعة في الشقة المشار إليها، وأن من قدر منكم على إتيان المسجد الذي تقام فيه الجمعة للصلاة مع المسلمين فذلك واجب عليه، ومن عجز عن ذلك لخوفه ضررا يلحقه في نفسه أو ماله أو معيشة يحتاجها فلا حرج عليه في التخلف عن الجمعة. وإنما قلنا إنه ليس لكم أن تقيموا الجمعة؛ لأن أكثر أهل العلم اشترطوا في من تنعقد به الجمعة أن يكونوا مستوطنين في البلد لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء، وأما المقيم غير المستوطن فلا تنعقد به الجمعة، وإن كانت واجبة عليه إذا وجد في البلد من تنعقد بهم الجمعة، قال الموفق رحمه الله في المغني: فَأَمَّا الِاسْتِيطَانُ، فَهُوَ شَرْطٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي قَرْيَةٍ، عَلَى الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ، لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا صَيْفًا وَلَا شِتَاءً، وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ وَلَا عَلَى مُقِيمٍ فِي قَرْيَةٍ يَظْعَنُ أَهْلُهَا عَنْهَا فِي الشِّتَاءِ دُونَ الصَّيْفِ، أَوْ فِي بَعْضِ السَّنَةِ. انتهى.
وانعقاد الجمعة بالمقيم غير المستوطن وجه عند الشافعية، لكن الأصح عندهم كما ذكر النووي عدم الانعقاد. وبناء عليه فإنكم إن أقمتم الجمعة والحال أنكم مقيمون لا مستوطنون لم تصح جمعتكم عند أكثر العلماء، ويؤيد ما ذكرنا من أنكم لا تقيمون الجمعة الخروج من خلاف من شرط أربعين فصاعدا لانعقاد الجمعة وهو مذهب الشافعية والحنابلة، ويؤيده أيضا ما يخشى من لحوق ضرر بكم إذا اطلعت سلطات تلك البلد على مخالفتكم لقوانينها، مع ما في حضوركم مع مسلمي تلك البلد من المصالح العظيمة من تكثير عددهم وتعليمهم ما قد يخفى عليهم، وفي ذلك أيضا مراعاة للأصل وهو عدم جواز تعدد الجمعة في البلد الواحد لغير حاجة. والخلاصة أن من أمكنه منكم حضور الجمعة فذلك واجب عليه، ومن كان له عذر في التخلف عنها فلا حرج عليه في أن يتخلف عن الجمعة، وأما إقامتكم الجمعة على الوجه المذكور فلا نراه لما قدمنا من الوجوه.
والله أعلم.