الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن صلة الرحم من الأمور التي حث عليها الدين الحنيف ورغب فيها، وحذر من قطعها، بل قرن الله تعالى قطع الأرحام بالفساد في الأرض الذي هو من أكبر الكبائر، فقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. {محمد: 22}.
ويكفي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة قاطع. رواه البخاري ومسلم.
ولا يسوغ أن يمنع من ذلك معاملتهم السيئة، بل ينبغي علاج ذلك بالصبر ودفع إساءتهم بالإحسان فالله يقول: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ { فصلت:34-35}.
وقد جاء رجل يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم سوء معاملة أقاربه له فقال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير مادمت على ذلك. رواه مسلم وأحمد وأبو داود. والمل هو الرماد الحار.
فالرحم أمرها عظيم في الإسلام ونصوص الشرع متضافرة على وجوب صلتها وتحريم قطعها، فإذا اتقيت الله فيهم، وصبرت على أذاهم فإنه لن يضرك كيدهم، فالله جل وعلا يقول: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً { آل عمران: 120}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمن اتقى الله من هؤلاء وغيرهم بصدق وعدل ولم يتعد حدود الله وصبر على أذى الآخر وظلمه لم يضره كيد الآخر، بل ينصره الله عليه. انتهى.
وبناء عليه، فاحرص قدر المستطاع على التواصل مع أخيك عن طريق الهاتف والسؤال عنه والسلام عليه، وإذا كان ذلك مكلفا فراسله بالكتابة عن طريق البريد الإليكتروني إن أمكن، وإلا فأرسلها عبر البريد العادي، قال القاضي عياض: وصلة الأرحام درجات بعضها أفضل من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لم يسم قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه ينبغي له لم يُسَمَّ واصلا. انتهى.
وجاء في حاشية البجيرمي على الخطيب: فالواجب صلة الرحم بالزيارة والهدية، فإن لم يقدر على الصلة بالمال فليصلهم بالزيارة وبالإعانة في أعمالهم إن احتاجوا إليه، وإن كان غائباً يصلهم بالكتاب، فإن قدر على السير إليهم كان أفضل، وفي صلة الرحم عشر خصال محمودة، ثم ذكرها. اهـ.
والله أعلم.