الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي أشار إليه السائل هو ما رواه البخاري وغيره عن عائشة قالت: قالوا: يا رسول الله إن هاهنا أقواما حديث عهدهم بشرك يأتونا بلحمان لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا ؟ قال: اذكروا أنتم اسم الله وكلوا.
ولكن هذا الحديث إنما يتناول ذبيحة المسلم الذي قد يظن فيه عدم التسمية لجهله أو حداثة عهده بالإسلام؛ ومثل هذا الأصل في ذبيحته الحل، والشك يطرح.
قال الشيخ الغنيمان في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري عند شرح هذا الحديث: ليس معناه أن ذكر اسم الله تعالى عند الأكل يجعلها حلالاً إذا كانت قد ذبحت على غير اسم الله تعالى، ولكن أمرهم بذكر اسم الله عند الأكل؛ لأنه الذي يلزمهم، ومطيباً بذلك قلوبهم، ومشيراً بذلك إلى اطراح الشك، إذ الأصل خلافه، وهو أن ظاهر الذابح الإسلام. اهـ.
ثم إن هذا الحديث إنما يتعلق بشرط التسمية دون بقية شروط حل الذبيحة، وأهمها طريقة الذبح بقطع الحلقوم والودجين، ولذلك بوب عليه أبو داود فقال: باب ما جاء في أكل اللحم لا يدرى أذكر اسم الله عليه أم لا ؟ وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتوى رقم: 98311.
ثم إنه ينبغي التنبه إلى أن الأصل في الذبائح التحريم حتى تتوفر فيها شروط الذكاة، قال الخطابي في معالم السنن: البهيمة أصلها على التحريم حتى يتيقن وقوع الذكاة، فهي لا تستباح بالأمر المشكوك فيه اهـ.
ولذلك قال البغوي في شرح السنة تعليقا على الحديث السابق: لو كانت التسمية شرطا للإباحة، كان الشك في وجودها مانعا من أكلها، كالشك في أصل الذبح. اهـ.
فالشك في أصل الذبيحة يمنع من تناولها، ولا يخفى أن ما ذكره السائل يقوي الشك في حل اللحم الذي ذكر حاله في السؤال، بحيث يغلب على الظن صدق شكه، فيجب حينئذ الاحتياط بعدم أكله استبراءً للدين، وراجع في تفصيل ذلك الفتوى رقم: 129341وما أحيل عليه فيها.
وإذا حكمنا على نوع من اللحوم بالحرمة لعدم توفر شروط الذكاة الشرعية فيه، فلا يتغير هذا الحكم بالتفاوت الكبير بين سعره وسعر اللحوم الحلال، وراجع الفتويين: 62106128816.
والله أعلم.