الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأنت أيها الأخ السائل مصاب بالوسوسة نسأل الله لك الشفاء، وعليك لكي تتخلص من هذا الداء أن تأخذ بأسباب العلاج وأن تجتهد في ذلك غير مستسلم لتلبيس الشيطان فإنه لا يريد إلا الإضرار بك. وأفضل علاج للوسواس بعد الاستعاذة بالله تعالى والالتجاء إليه من شره أن تعرض عنه جملة وألا تلتفت إليه وألا تعيره أي اهتمام، وانظر الفتوى رقم: 51601. ثم إن مجرد بل الشفتين بالريق لا يفسد الصيام ما لم يتعمد ابتلاعه عالما بأنه يفسد الصوم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم :162517 .
ويبدو أن السائل بسبب الوسوسة التي يعاني منها، يرتكب الشدة فيما يتعلق بمسح شفتيه ويعطي الأمر أكبر مما يستحق، فليهون على نفسه فإنه لا إشكال في مسح الشفتين للصائم سواء مسحهما بلسانه أم بمنديل مبلل ونحوه ما لم يتعمد ابتلاع البلل، وإذا مسحهما فلا يطالب بالمسح مرة أخرى لأن ذلك يجره إلى وسوسة لا نهاية لها، والله عز وجل رؤوف رحيم لا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يؤاخذهم بما لا يدخل في وسعهم.
وليعلم كذلك أن الأصل صحة العبادة فلا يزول هذا الأصل إلا بيقين، فمهما لم يتيقين أنه قد دخل شيء إلى جوفه فصومه صحيح، وعليه فلا يطالب بقضاء الأيام التي حصل فيها مسح شفتيه ما لم يتعمد ابتلاع شيء خارج عن ريقه المعتاد في فمه عالما بإفساد ذلك للصوم.
ثم إن ترك الصلاة خوفا من الأذى الذي يسببه له الوسواس أمرعظيم مخالف لأمر الله تعالى موافق للشيطان، فإن ترك الصلاة لا يجوز بحال من الأحوال ما دام المرء يتمتع بعقله، وتركها بسبب الخوف من الوسواس هو بغية الشيطان ومهمته حيث يحول بين المسلم وعبادته، لذلك فليحذر من أن يترك عبادته للسبب المذكور فإن أهل العلم ذكروا أن الموسوس في الصلاة عليه أن يصلي ولا يلتفت إلى الشكوك والوساوس، وانظر الفتوى رقم :112233، والفتوى رقم :100502 .
والله أعلم.