الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزادك الله حرصا على الخير ورغبة فيه، ثم اعلمي وفقك الله أنه لا يجب إعطاء كل سائل، ولا يأثم المكلف برد السائل ما دام يؤدي ما عليه في ماله من الحق، وإن كان إعطاء السائل من محاسن الأخلاق ومكارم الشيم، وإذا رد الإنسان سائلا فليكن رده رفيقا لينا بغير نهر ولا زجر، وهذا معنى الآية الكريمة، فالآية لا توجب إعطاء السائل ما سأله وإنما تنهى عن زجره ونهره.
قال ابن كثير: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ أَيْ فَلَا تَكُنْ جَبَّارًا وَلَا مُتَكَبِّرًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا فَظًّا عَلَى الضُّعَفَاءِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي رُدَّ الْمِسْكِينَ برحمة ولين. انتهى.
والذي ينبغي لك إن علمت أو غلب على ظنك صدق السائل وأنه محتاج أن تعطيه ولو شيئا يسيرا، وإن علمت أو غلب على ظنك عدم حاجته فلا تعطيه بل انصحيه إن لم يكن في نصحه مفسدة، وبيني أن السؤال مع الغنى من موجبات غضب الرب تعالى، ولا يمنعك الحياء من الإعطاء في محله فإنك تفوتين على نفسك بذلك خيرا.
وقد وجه إلى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى هذا السؤال: هناك حديث نبوي نصه: (للسائل حق ولو أتى على فرس) في مسندأحمد , فهل معنى الحديث: أن السائل إذا أتى ولو كان ظاهره عدم الفقر لابد أن يعطى؟ فأجاب بقوله: أولاً هذا حديث ضعيف لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام, لكن لا شك أن الإنسان من كرمه أنه إذا سئل لا يرد سائلاً ما لم يسأل محرماً, لقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً عن الإسلام, فمن الأخلاق الفاضلة ألا ترد سائلاً, لكن إذا علمت أن هذا السائل يستكثر بسؤاله فانصحه, وذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر. انتهى.
وما ذكرته من الأسباب الأخرى لا شك في أن بعضه حق، فقد كثر في زمانا الخداع وانتشر من يسألون الناس مع غناهم، ومن ثم كان التثبت في الإعطاء أمرا حسنا وأن يعطي الإنسان من يعلم أو يغلب على ظنه صدقه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لكن بلاءنا في الحقيقة في رد السائل هو أن كثيراً من السائلين كاذبون؛ يسأل وهو أغنى من المسؤول، وكم من إنسان سأل ويسأل الناس ويلحف في المسألة فإذا مات وجدت عنده دراهم الفضة والذهب الأحمر والأوراق الكثيرة من النقود! وهذا هو الذي يجعل الإنسان لا يتشجع على إعطاء كل سائل، من أجل الكذب والخداع، حيث يظهرون بمظهر العجزة وبمظهر المعتوهين والفقراء وهم كاذبون. انتهى.
والمرد في الإعطاء والمنع بحسب العلم أو غلبة الظن كما بينا.
والله أعلم.