الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أوضحنا في الفتوى رقم: 120640، ما يجب على العامي فعله إذا اختلفت عليه الفتوى، وأوضحنا في الفتوى رقم: 134759، أن الأخذ ببعض الرخص للحاجة أحيانا مما لا حرج فيه وليس من تتبع الرخص المذموم.
ثم إن استوت هاتان الجهتان عندك في العلم والورع فلك تقليد أيتهما شئت، جاء في المسودة لآل تيمية: فإن استووا عنده في العلم والدين كان مخيرا في الأخذ بأي أقاويلهم شاء، لأنه ليس بعضهم بقبول قوله أولى من بعض. انتهى.
وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن العامي له أن يقلد من شاء من أهل العلم ممن يوثق بعلمه وورعه، من غير قصد تتبع الرخص، وهذا قول وجيه له حظ من النظر، قال القرافي ـ رحمه الله: قاعدة: انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر، وأجمع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ على أن من استفتى أبا بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ أو قلدهما فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما ويعمل بقولهم من غير نكير، فمن ادعى رفع هذين الإجماعين فعليه الدليل. انتهى.
وهذا هو قول جمهور الحنابلة، جاء في المسودة لآل تيمية ـ رحمهم الله ـ ما مختصره: مسألة: للعامي أن يقلد في الفروع أي المجتهدين شاء ولا يلزمه أن يجتهد في أعيان المجتهدين في قول القاضي وأبي الخطاب وجماعة من الفقهاء، وذكر القاضي وأبو الخطاب أنه ظاهر كلام أحمد، كما ذكر القاضي أن العامي يتخير بين المفتين ولا يلزمه الاجتهاد، وقال ابن عقيل: لا يتخير بل يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين الأدين والأورع ومن يشار إليه أنه الأعلم، وأخذ أصحابنا أن له أن يقلد من شاء من أهل الاجتهاد من قوله في رواية الحسن بن زياد وقد سأله عن مسألة في الطلاق فقال: إن فعل حنث، فقال له يا أبا عبد الله: إن أفتاني إنسان يعني أنه لا يحنث، فقال: تعرف حلقة المدنيين حلقة بالرصافة فقال: له إن أفتوني به حل؟ قال: نعم، قال: وهذا يدل على أن العامي يخير في المجتهدين. انتهى.
وعلى هذا القول، فلا حرج عليك في أن تقلدي من شئت من هاتين الجهتين، فإن أفتتك إحداهما بعدم لزوم قضاء الصلاة وسعك أن تعملي بهذا القول ولم يلزمك القضاء إن شاء الله.
والله أعلم.