الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالإحرام من الميقات واجب من واجبات الحج, فمن تجاوز الميقات بدون إحرام وهو مريد للنسك وجب عليه العودة والإحرام من الميقات، فإن لم يفعل وأحرم بعد مجاوزته فقد فاته الواجب وعليه دم يذبح في مكة ويوزع على فقراء الحرم, وإن عجز عنه صام عشرة أيام قياسا على دم التمتع، فإن كنت تجاوزت الميقات وأحرمت بعده فالواجب عليك ما ذكرنا، ولا تبرأ ذمتك بما قيل لك من أن الأمير سيتولى الذبح عنك، بل الواجب أن تتأكد من أنه قد فعل ذلك فعلا، فإن علمت أنه أخرج الفدية عنك أجزأك ولو بغير علمك في قول كثير من الفقهاء, ويرى الجمهور أن التكفير عن الشخص بغير علمه لا تبرأ به الذمة لعدم النية.
قال ابن عبد البر في التمهيد: قال مالك وجمهور أصحابه إلا أشهب: من كفر عن غيره بأمره أو بغير أمره أجزأه، وقال أشهب لا يجزيه إذا كفر عنه بغير أمره، لأنه لا نية للكفارة في تلك الكفارة واختاره الأبهري، لأن الكفارة فرض لا يتأدى إلا بنية إلى أدائه، وهذا قول الشافعي وأكثر الفقهاء، ولعل القول بالجواز تشهد له السنة، فإن النبي صلى الله عليه أهدى عن زوجاته في الحج ولم يعلم أنهن أذن في ذلك, قال ابن بطال في شرح البخاري: قال المهلب: في حديث عائشة من الفقه أنه من كَفَّر عن غيره كفارة يمين أو ظهار، أو قتل نفس، أو أهدى عنه، أو أَدَّى عنه دينا بغير أمره أن ذلك كله مجزئًا عنه، لأنه لم يعرف نساء النبي عليه السلام بما أدى عنهن من نحر البقر لما وجب عليهن من نُسك التمتع. اهــ.
وقال الحطاب المالكي في مواهب الجليل عند ذكره للخلاف فِيمَنْ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ وَإِذْنِهِ: وَأَنْ يُجْزِيَهُ أَحْسَنُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ فَيَسْقُطُ عَنْهُ إذَا أَدَّي عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَالدَّيْنِ. اهـ.
فإذا علمت أنه أخرج عنك الفدية أجزأك وإن أخرجت الفدية بنفسك كان أحوط لك مراعاة لقول من يقول بعدم الإجزاء, وإن لم يفعله فالواجب عليك أن تذبحه أنت أو تفعل بدله إن كنت عاجزا عنه.
والله أعلم.