الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام الاتفاق قد حصل بينكما على المشاركة في رأس المال، وأن يقوم الطرف الثاني بالعمل وإدارة الشركة، كما جاء في البند الثاني من بنود العقد، فهذه الشركة تكون بذلك نوعا من المضاربة.
قال ابن قدامة في (المغني): القسم الرابع أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما، فهذا يجمع شركة ومضاربة، وهو صحيح. اهـ.
وقال أيضا: أما المضاربة التي فيها شركة وهي أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما .. فمهما شرطا للعامل من الربح إذا زاد على النصف جاز. اهـ.
وقال الزركشي في شرح مختصر الخرقي: هذا يجمع شركة ومضاربة، فمن حيث إن من كل واحد منهما المال، يشبه شركة العنان، ومن حيث إن أحدهما يعمل في مال صاحبه بجزء من الربح هو مضاربة. اهـ.
وهذا العقد قد جاء في بنوده ما يفسده، فالبند الرابع ينص على أن: (يتقاضى الفريق الثاني بدل إدارته المذكورة نسبه 10% من صافي الأرباح على أن لا تقل عن 2500 ريال سعودي كحد أدنى بشكل شهري). وهذا لا يصح؛ لأنه لا يجوز في المضاربة أن تكون على مبلغ محدد مع نسبة شائعة أو بدونها.
جاء في المغني: ولا يجوز أن يجعل لأحد من الشركاء فضل دراهم، وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يشترط لنفسه جزءاً وعشرة دراهم بطلت الشركة. اهـ. وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 129142، 58979، 95390.
ومتى حكمنا بفساد هذا العقد، فالواجب فسخه ولكل من الشريكين ما يستحقه من الربح أو ما يتحمله من الخسارة، وذلك على قدر رأس المال. وعلى كل منهما لشريكه أجرة عمله إن كان عمِل في الشركة. وراجع في ذلك الفتويين: 103598، 70128.
وعلى ذلك، فينبغي حساب أجرة المثل بالنسبة لصاحب السؤال الذي هو الطرف الثاني في العقد والمسؤول عن العمل، ثم مقاصة ذلك مع المبلغ المأخوذ بالفعل (350 ألف ريال) ليأخذ الباقي أو يرد الفاضل.
وأما السؤال عن كيفة تطبيق (ولا تنسوا الفضل بينكم) فهذا إنما يكون بسعي كل من الطرفين في بذل ما لا يجب عليه بذله، وترك ما يجب له من الحقوق. وذلك مضمون قوله تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ. [البقرة: 237].
قال الراغب الأصفهاني: قوله: {وَأَنْ تَعْفُوا} ـ وإن كان بالقصد الأول حثاً للزوجين على التسامح ـ خطاب عام لهما ولكافة الناس، وحث لهما على استعمال العفو وترك التشرد، وإن بعض ما وجب لك أقرب إلى الهوى، ثم قال: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} أعم من العفو، لأنه يتناول ترك ما وجب لك، وإعطاء ما لا يلزمك، ولهذا قيل: " الفضل فوق العدل ". وقيل: " الكرم في الفضل لا في العدل ". ولما حث فيما تقدم على استعمال العدالة، نبه بقوله: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} أي: لا تتركوا الفضل مقتصرين على تحري العدالة. اهـ.
وقال السعدي: معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب، وهو: أخذ الواجب وإعطاء الواجب. وإما فضل وإحسان، وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق، والغض مما في النفس. فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة، ولو في بعض الأوقات، وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة، أو مخالطة، فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم. اهـ.
والله أعلم.