الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصحيح أن الذاكر لاسم الله مستعينا به على فعل المعصية قد ارتكب محرما ، لأن الفقهاء ينصون على حرمة التسمية عند فعل المحرم لذاته، لما فيه من مضادة للشرع، ولكنه لا يكفر إلا إذا استحل ذلك أو كان على وجه الاستخفاف، وهذا هو الفرق.
قال الطحطاوي في مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح حيث قال: والإتيان بالبسملة عمل يصدر من المكلف فلا بد أن يتصف بحكم فتارة يكون فرضا كما عند الذبح .... وتارة يكون الإتيان بها حراما كما عند الزنا ووطء الحائض، وأكل مغصوب أو مسروق قبل الاستحلال، أو أداء الضمان. والصحيح أنه إن استحل ذلك عند فعل المعصية كفر وإلا لا، وتلزمه التوبة إلا إذا كان على وجه الاستخفاف فيكفر أيضا ... واعلم أن المستحل لا يكفر إلا إذا كان المحرم حراما لعينه وثبتت حرمته بدليل قطعي وإلا فلا. صرح به في الدرر عن الفتاوي ... اهـ.
وأما من ذكر الله تعالى غير مريد للاستعانة به أو التبرك عند فعل المعصية، وليس مستخفا باسم الله تعالى فلا يكفر بذلك، بل قد لا يكون آثما بذكره لأنه ليس في ذلك معاندة للشرع، بل نرجو من فضل الله أن يثيبه عليه فيكون مثل الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تكتب عليه سيئاته كما تكتب حسناته، ويدل لهذا عموم قول الله تعالى في الآية الجامعة الفاذة : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {الزلزلة:7}. وهذه الآية سماها النبي صلى الله عليه وسلم: الجامعة الفاذة. كما في الحديث المتفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: سماها جامعة، لشمولها لجميع الأنواع من طاعة ومعصية، وسماها فاذة لانفرادها في معناها. اهـ.
وفي الحديث : كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله - عز و جل -. رواه أبو يعلى وقال المحقق حسين سليم أسد : إسناده حسن.
فلو أن شخصا سلم عليه مسلم فرد عليه السلام، أو عطس عنده عاطس مسلم فشمته فيعتبر قائما بأمر الشرع في الرد والتشميت عملا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس. متفق عليه .
وفي رواية لمسلم: حق المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه .
ومثل ذلك ما ذكر أهل العلم من وجوب إنكار العاصي على مشاركيه في المعصية، فيجب على شارب الخمر أن ينهى ندماءه عن الشراب، فلو ذكر الله في حال نهيه إياهم فيعتبر قائما بما وجب عليه من النهي عن المنكر .
ولو أن شخصا ذكر الله عن غير قصد فنرجو أن يؤجر على الذكر ولو كان غافل القلب عما يقوله لما فيه من شغل اللسان بالطاعة فالله لا يضيع أجر من عمل صالحا.
فقد قال الغزالي رحمه الله في الإحياء: الاستغفار باللسان حسنة إذ حركة اللسان بها عن غفلة خير من حركة اللسان فى تلك الساعة بغيبة مسلم أو فضول كلام بل هو خير من السكوت عنه .... وهو من جملة معاني قوله تعالى: إن الله لا يضيع أجر المحسنين. ومعانى قوله تعالى: وإن تك حسنة يضاعفها ....اهـ
وقال ابن عجيبة في شرح الحكم : ولا يترك الذكر باللسان لعدم حضور قلبه فيه، بل يذكره بلسانه ولو كان غافلاً بقلبه، فإن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، لأن غفلتك عن ذكره إعراض عنه بالكلية وفي وجود ذكره إقبال بوجه ما، وفي شغل اللسان بذكر الله تزيين جارحة بطاعة الله وفي فقده تعرض لاشتغالها بالمعصية. قيل لبعضهم ما لنا نذكر الله باللسان والقلب غافل فقال اشكر الله على ما وفق من ذكر اللسان ولو أشغله بالغيبة ما كنت تفعل. اهـ.
والله أعلم.