الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحن نسألك سؤالا نريد منك أن تتجرد في الإجابة عليه، لماذا لا يعرض لك أمر الاحتجاج بالقدر وأنك غير مخير وأن الله علم أزلا ما أنت عامل إلا عند المعصية، وهل إذا فعلت طاعة كأن صليت أو صمت تقول أنا لا أستحق مثوبة لأن الله هو الذي قدر أم ساعتها تقول أنا الذي فعلت بإرادتي واختياري؟ لا شك أن جوابك هو أنك تستحق المثوبة إذا أطعت لأنك فعلتها بإرادتك واختيارك، فكيف تزعم لنفسك أنك تستحق أن تثاب مطيعا ولا تعاقب عاصيا؟ أليس هذا تناقضا منك؟
ثم نسألك سؤالا آخر، هل لو اعتدى عليك إنسان بضرب أو نحوه هل تقول هو غير مخير وإنما قدر الله ذلك فلا يستحق هذا الشخص أن يعاقب، أم تسعى في الانتصار لنفسك والاقتصاص من ظالمك لأنه لا إشكال عندك في أنه فعل ما فعل بإرادته واختياره ولم يجبره على ذلك أحد؟ لا شك في أنك تجيب بالثاني، فلِمَ تجعل القدر حجة لك ولا يكون حجة لغيرك؟ فلو أنك أنصفت لعلمت أنه لا تعارض بين علم الله السابق ومشيئته النافذة وبين محاسبة العبد على ما يفعل من خير أو شر لأنه فعل ما فعل باختياره، وقد خلق الله له قدرة ومشيئة بها تقع أفعاله وأقام الحجج وأرسل الرسل وقطع المعاذير فليس للعباد حجة عليه بل لله الحجة البالغة سبحانه وبحمده، وقد ذكرنا في فتاوى كثيرة ما يزول به الإشكال في مسألة القدر، وانظر الفتوى رقم 168661 .
وأما الأحاديث التي ذكرتها فهي ثابتة بلا شك، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حدث بها ترغيبا للعصاة في التوبة والرجوع إلى الله تعالى ولئلا ييأسوا من روحه ولا يقنطوا من رحمته، ولا يستعظموا ذنوبهم بجانب رحمته التي وسعت كل شيء. فكيف جعلتها أنت حاملة على المعصية داعية إليها. وهل هذا إلا من تلبيس الشيطان عليك ومكره بك. وأنت إنما تكون مشمولا بما دلت عليه هذه الأحاديث إذا كنت تائبا لربك مقلعا عن ذنبك نادما على عظيم ما اقترفته وقبيح ما جنيته، وأما مع الإصرار على الذنب فأنت تعرض نفسك لعقوبة الله تعالى شديد العقاب الذي إذا غضب لم تقم لغضبه السماوات والأرض سبحانه وبحمده، ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير. فتب إلى ربك من جميع ذنوبك وعلق قلبك به ولا تتعاظم ذنبك فإن الله يغفر الذنوب جميعا. واستعن بربك في أن يصلح قلبك ويقلبه على دينه فإنه سبحانه مقلب القلوب، ولبيان بعض الوسائل المعينة على الإقلاع عن تلك العادة الخبيثة راجع الفتوى رقم 155315 ورقم 171417
والله أعلم.