الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في تحديد المدة التي يتنهي بعدها حق الزوج في اللعان، قال ابن قدامة: وإذا ولدت امرأته ولدا فسكت عن نفيه، مع إمكانه، لزمه نسبه، ولم يكن له نفيه بعد ذلك، وبهذا قال الشافعي، قال أبو بكر: لا يتقدر ذلك بثلاث، بل هو على ما جرت به العادة، إن كان ليلا فحتى يصبح وينتشر الناس، وإن كان جائعا أو ظمآن فحتى يأكل أو يشرب، أو ينام إن كان ناعسا أو يلبس ثيابه ويسرج دابته ويركب ويصلي إن حضرته الصلاة، ويحرز ماله إن كان غير محرز، وأشباه ذلك من أشغاله، فإن أخره بعد هذا كله، لم يكن له نفيه، وقال أبو حنيفة: له تأخير نفيه يوما ويومين استحسانا، لأن النفي عقيب الولادة يشق، فقدر باليومين لقلته، وقال أبو يوسف ومحمد: يتقدر بمدة النفاس، لأنها جارية مجرى الولادة في الحكم، وحكي عن عطاء ومجاهد أن له نفيه ما لم يعترف به كحالة الولادة، ولنا، أنه خيار لدفع ضرر متحقق، فكان على الفور، كخيار الشفعة.
والظاهر ـ والله أعلم ـ أن تقدير تلك المدة يرجع إلى العرف، قال الشيخ الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله: وَالَّذِي يَظْهَرُ لَنَا فِي مَسْأَلَةِ السُّكُوتِ عَنِ اللِّعَانِ أَنَّهُ إِنْ سَكَتَ زَمَنًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِيهِ عَادَةً أَنَّهُ لَا يَسْكُتُ فِيهِ إِلَّا رَاضٍ عُدَّ رِضًى، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ الْعُرْفَ مُحَكَّمٌ.
وعلى كل تقدير، فإن اللعان لا يكون إلا عند الحاكم، فإذا رفع الأمر إلى الحاكم فإن حكمه يرفع الخلاف، وقد سبق أن بينا لك أن الزوج إذا علم ـ بطريق اليقين أو الظن الغالب القريب من اليقين ـ بأن الولد ليس منه فعليه نفيه باللعان، وإذا تعمد ترك نفيه في هذه الحال فهو آثم، فإن رجع بعد ذلك وكان حقه في اللعان قد سقط فليس له نفي ولده وعليه التوبة إلى الله، والتوبة مقبولة ـ بإذن الله ـ وهي تكون بالندم على تفريطه في نفي الولد والعزم على عدم العود لمثل ذلك.
والله أعلم.