الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي عليه جمهور أهل العلم أن المحرم إذا قتل صيدا لزمه الجزاء، سواء قتله متعمدا أو خطأ أو نسيانا، لكنه يأثم في حالة العمد دون غيره باتفاق أهل العلم، وهو مخير لدى الكثير من الفقهاء بين أن يذبح مثل الصيد من النعم إن كان له مثل، وبين أن يقومه بدراهم يشتري بها طعاماً يجزئ في زكاة الفطر، فيطعم كل مسكين مدا أو يصوم عن كل مد يوما، فإذا كانت قيمة المثل مائة مثلا فينظر في مقابلها من الطعام ولنفترض أنه عشرة أمداد، فيخير من عليه الجزاء بين أن يطعم عشرة مساكين أو يصوم عشرة أيام، والمد ربع الصاع النبوي ويقدر بملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، ويساوي بالوزن سبعمائة وخمسين غراماً من الأرز تقريباً، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ {المائدة:95}.
وفي المجموع للنووي: وإذا قتل المحرم الصيد عمداً أو خطأ أو نسياناً لزمه الجزاء عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والجمهور، قال العبدري: هو قول الفقهاء كافة. انتهى.
والمراد بالصيد هنا البري الوحشي المأكول اللحم، أما غيره فلا يلزم منه شيء.
وفي المجموع أيضا: إذا قتل المحرم صيدا أو قتله الحلال في الحرم فإن كان له مثل من النعم وجب فيه الجزاء بالإجماع ومذهبنا أنه مخير بين ذبح المثل والإطعام بقيمته والصيام عن كل مد يوما، وبه قال مالك وأحمد في أصح الروايتين عنه وداود إلا أن مالكا قال يقوم الصيد ولا يقوم المثل، وقال أبو حنيفة لا يلزمه المثل من النعم وإنما يلزمه قيمة الصيد، وله صرف تلك القيمة في المثل من النعم. انتهى.
وقال ابن قدامة ـ رحمه الله: الجزاء لا يجب إلا بقتل الصيد، لأنه الذي ورد به النص بقوله تعالى: لا تقتلوا الصيد ـ والصيد ما جمع ثلاثة أشياء وهو أن يكون مباحا أكله، لا مالك له، ممتنعا، فيخرج بالوصف الأول كل ما ليس بمأكول لا جزاء فيه كسباع البهائم والمستخبث من الحشرات والطير وسائر المحرمات، واختلفت الرواية في السنور أهليا كان أو وحشيا، والصحيح أنه لا جزاء فيه وهو اختيار القاضي، لأنه سبع وليس بمأكول. انتهى باختصار.
والله أعلم.