الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأت حين ظننت أنك تستطيعين أن تعوضي حرمانك وتزيلي وحشة قلبك باتباع خطوات الشيطان، وسلوك طريق تغضب الله، فما تفعلينه من مكالمة الشبان منكر قبيح ومعصية ظاهرة قد تهوي بك إلى مهاوي الرذيلة وتوردك موارد الهلاك، فكيف تطلبين راحة قلبك و طمأنينة نفسك في معصية الله ؟ وهل شقاء النفس وعذاب الروح إلا بسبب المعاصي والبعد عن الله ؟ فهيهات هيهات أن يجد العبد طعم الراحة إلا في ظل طاعة الله عز وجل والقرب منه.
قال ابن القيم (رحمه الله) : فَفِي الْقَلْبِ شَعَثٌ، لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ. وَفِيهِ وَحْشَةٌ، لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ. وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِهِ. وَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ. وَفِيهِ نِيرَانُ حَسَرَاتٍ لَا يُطْفِئُهَا إِلَّا الرِّضَا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَقَضَائِهِ، وَمُعَانَقَةُ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ إِلَى وَقْتِ لِقَائِهِ. وَفِيهِ طَلَبٌ شَدِيدٌ: لَا يَقِفُ دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَحْدَهُ مَطْلُوبَهُ. وَفِيهِ فَاقَةٌ: لَا يَسُدُّهَا إِلَّا مَحَبَّتُهُ، وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ، وَدَوَامُ ذِكْرِهِ، وَصِدْقُ الْإِخْلَاصِ لَهُ. وَلَوْ أُعْطِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَمْ تَسُدَّ تِلْكَ الْفَاقَةَ مِنْهُ أَبَدًا. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
وقال في كلامه عن آثار الذنوب والمعاصي: وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا أَنَّهَا تُوقِعُ الْوَحْشَةَ الْعَظِيمَةَ فِي الْقَلْبِ فَيَجِدُ الْمُذْنِبُ نَفْسَهُ مُسْتَوْحِشًا، قَدْ وَقَعَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَبَيْنَ الْخَلْقِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَكُلَّمَا كَثُرَتِ الذُّنُوبُ اشْتَدَّتِ الْوَحْشَةُ، وَأَمَرُّ الْعَيْشِ عَيْشُ الْمُسْتَوْحِشِينَ الْخَائِفِينَ، وَأَطْيَبُ الْعَيْشِ عَيْشُ الْمُسْتَأْنِسِينَ، فَلَوْ نَظَرَ الْعَاقِلُ وَوَازَنَ لَذَّةَ الْمَعْصِيَةِ وَمَا تُوقِعُهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالْوَحْشَةِ، لَعَلِمَ سُوءَ حَالِهِ، وَعَظِيمَ غَبْنِهِ، إِذْ بَاعَ أُنْسَ الطَّاعَةِ وَأَمْنَهَا وَحَلَاوَتَهَا بِوَحْشَةِ الْمَعْصِيَةِ وَمَا تُوجِبُهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالضَّرَرِ الدَّاعِي لَهُ. الداء والدواء.
فما دمت مقيمة على المعصية فلا عجب مما تجدينه من ضيق الصدر وكآبة النفس والتثاقل عن الطاعات، فإن الذنوب سبب الحرمان من الطاعات.
قال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم كبلتك خطيئتك. لطائف المعارف لابن رجب.
فالواجب عليك التوبة إلى الله من مكالمة هؤلاء الشبان، والتوبة تكون بالإقلاع والندم والعزم على عدم العود، واعلمي أن القلب يعود بعد التوبة أقرب إلى الله وأكثر حباً له وشوقاً إليه وإقبالاً على طاعته واستشعاراً لحلاوة الطاعة، وتفاهمي مع زوجك برفق وحكمة وبيني له أن عليه أن يوازن بين واجباته ويعطي كل ذي حق حقه، ففي الحديث الذي رواه البخاري: قال سلمان الفارسي لأبي الدرداء : إن لنفسك عليك حقا، ولربك عليك حقا، ولضيفك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا. فأعط كل ذي حق حقه. فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك فقال له: صدق سلمان.
واشغلي نفسك بما ينفعك في دينك ودنياك فالفراغ نعمة عظيمة إن صرف في الخير، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ.
وننصحك بكثرة الذكر ، وخاصة تلاوة القرآن وتدبر معانيه بالقلب، فالقرآن شفاء ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. يونس (57)
واحرصي على مصاحبة الصالحات وسماع الدروس والمواعظ النافعة ، مع الإلحاح في الدعاء فإنه من أنفع الأسباب .
والله أعلم.