الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في بطلان قول صاحب المقالة: الكافر هو الذي يعلم يقينا بالقلب أن هناك إلها، ثم يكفر ويقول على الملأ إنه لا يوجد إله، هذا فقط الكافر .. وهذا مستحيل بشري أن يشق عن قلبه ويعرفه ... بل الكافر من يشك في الله أو يعتقد بقلبه أنه لا إله أو آمن بالإله وأشرك به، وتراجع الفتوى رقم: 105290، للمزيد في هذا الموضوع.
وإعلانه الشرك كاف في الحكم عليه في أحكام الدنيا بالكفر ولا نكلف الشق عن صدره، فنحن نحكم على النصارى بالكفر لشركهم بالله الواحد كما حكم الله عليهم بذلك في قوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {المائدة:17}.
وقوله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ {المائدة:72}.
وقوله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {المائدة:73}.
ونحكم على كل من لا يدين بالإسلام يهوديا كان أو نصرانيا أو غيرهما بالكفر وأنه مخلد في النار، فمن سمع ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ثم لم يؤمن به فهو من أهل النار، قال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ {هود:17}.
وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. خرجه مسلم.
وأما في أحكام الآخرة فلا نقطع بأن فلان بن فلان سيدخل النار إلا بنص خاص فيه، وهذا لا يؤثر على ما تقدم من الحكم على من دان بغير دين الإسلام بأنه من أهل النار عموما فقد ذكر العلماء أنه لا يشهد لمعين بالنار إلا من شهد له الوحي بذلك مع القطع بأن كل من مات كافرا فهو من أهل النار، قال شيخ الإسلام رحمه الله: المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق، لا المعين، كما قلنا في نصوص الوعيد والوعد، وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار، فإنا نشهد بأن المؤمنين في الجنة وأن الكافرين في النار، ونشهد بالجنة والنار لمن شهد له الكتاب والسنة، ولا نشهد بذلك لمعين إلا من شهد له النص أو شهد له الاستفاضة على قول. انتهى.
وسئل فضيلة الشيخ: ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز إطلاق الكفر على الشخص المعين إذا ارتكب مكفرًا؟ فأجاب قائلًا: إذا تمت شروط التكفير في حقه جاز إطلاق الكفر عليه بعينه ولو لم نقل بذلك ما انطبق وصف الردة على أحد، فيعامل معاملة المرتد في الدنيا، هذا باعتبار أحكام الدنيا، أما أحكام الآخرة فتذكر على العموم لا على الخصوص ولهذا قال أهل السنة لا نشهد لأحد بجنة ولا نار إلا لمن شهد له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
والله أعلم.