الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوصية لا تبطل بمجرد مرور وقت طويل على صدروها، وإنما تبطل بالقول أو بالفعل الدال على أن الموصي أراد إلغاءها، جاء في الموسوعة الفقهية عما يكون به الرجوع في الوصية: وَالرُّجُوعُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا أَوْ دَلاَلَةً فَالرُّجُوعُ الصَّرِيحُ: مَا كَانَ بِلَفْظٍ هُوَ نَصٌّ فِي الرُّجُوعِ، مِثْل قَوْل الْمُوصِي: رَجَعْتُ عَنْ وَصِيَّتِي لِفُلاَنٍ، أَوْ تَرَكْتُهَا، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوْ نَقَضْتُهَا، أَوْ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلاَنٍ هُوَ لِوَرَثَتِي وَنَحْوُهُ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عُدُول الْمُوصِي عَنْ وَصِيَّتِهِ وَهُوَ يَمْلِكُ الْعُدُول مَتَى شَاءَ وَالرُّجُوعُ دَلاَلَةً: كُل تَصَرُّفٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الْمُوصَى بِهِ يُفِيدُ رُجُوعَهُ عَنِ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ يَشْمَل مَا يَأْتِي: أَوَّلاً: كُل تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ يُخْرِجُ الْعَيْنَ عَنْ مِلْكِ الْمُوصِي يُعَدُّ رُجُوعًا، كَأَنْ يَبِيعَ الشَّيْءَ الْمُوصَى بِهِ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ يَجْعَلَهُ مَهْرًا أَوْ وَقْفًا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، ثَانِيًا: كُل فِعْلٍ فِي الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا يَدُل عَلَى الرُّجُوعِ عَنِ الْوَصِيَّةِ، كَذَبْحِ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا، وَغَزْل الْقُطْنِ الْمُوصَى بِهِ. إلخ اهـ.
فإذا لم يكن والدكم قد فعل شيئا مما يحصل به الرجوع فالوصية باقية، والعبرة عند إخراج الثلث بما هو موجود عند الموت لا عند الوصية, جاء في تحفة المحتاج من كتب الشافعية: الثُّلُثَ مُطْلَقٌ لَا يَخْتَصُّ بِمَا مَلَكَهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، بَلْ الْعِبْرَةُ بِمَا مَلَكَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ زَادَ أَوْ نَقَصَ أَوْ تَبَدَّلَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا. اهــ.
وجاء في مطالب أولي النهى فيمن استحدث مالا بعد الوصية: فإن وصى بثلثه لنحو زيد أو مسجد فاستحدث مالا بعد الوصية ولو بنصب أحبولة قبل موته فيقع فيها صيد بعده دخل ثلثه أي: ثلث المال المستحدث في الوصية, قال في الإنصاف هذا المذهب وعليه الأصحاب, قال في المحرر: ومن وصى بثلث ماله تتناول المتجدد والموجود وإن لم يعلم به. اهــ.
ومثله ما جاء في الإقناع: يعتبر المال الموصى بثلثه يوم الموت لأن الوصية تمليك بعد الموت، فلو أوصى بعبد ولا عبد له ثم ملك عند الموت عبدا تعلقت الوصية به، ولو زاد ماله تعلقت الوصية به. اهــ.
وعلى هذا، فإذا لم يرجع والدكم في الوصية بما ذكرنا فإنه يلزمكم إخراج ثلث ما يملك عند الوفاة لا عند الوصية، ويوزع الثلث على فقراء الحرم كما أوصى, وننبهكم إلى أنه لا يجوز تأخير إخراج الوصية من غير مبرر شرعي لا سيما إذا كانت لغير معين كما هو الحال في وصية والدكم، لأنها حينئذ لا تفتقر إلى قبول من الموصى له, وانظر الفتوى رقم: 175807.
والله أعلم.