الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاتخاذ الكلاب واقتناؤها فعل محرم إلا إن كان لحاجة مأذون في اتخاذها لأجلها شرعا, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ اُنْتُقِصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ. رَوَاهُ الْجَمَاعَة. فعليك بمناصحة أختك ونهيها عن هذا المنكر وأمرها بطرد هذه الكلبة، وأن يبين لها حرمة اتخاذ الكلاب إلا ما أذن فيه الشرع، فإن استجابت فالحمد لله، وإن لم تستجب فيمكنك التخلص من هذه الكلبة بطردها بعيدا عن البيت بحيث لا يمكنها الرجوع إليه، وبهذا يندفع شرها من غير حاجة إلى قتلها فإن الأصل عدم جواز قتل الكلاب إلا ما كان عقورا أو كان أسود بهيما، وما دام هذا الكلب غير خالص السواد فالأصل عدم إباحة قتله.
قال ابن قدامة رحمه الله: فَصْلٌ: فَأَمَّا قَتْلُ مَا لَا يُبَاحُ إمْسَاكُهُ، فَإِنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ يُبَاحُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ: سَأَلْت أَبَا ذَرٍّ فَقُلْت: «مَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَحْمَرِ مِنْ الْأَبْيَضِ؟ فَقَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلْتنِي، فَقَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَأَمَرْت بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ» . وَيُبَاحُ قَتْلُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ؛ الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّمًا؛ لِلْخَبَرَيْنِ. وَعَلَى قِيَاسِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، كُلُّ مَا آذَى النَّاسَ، وَضَرَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ. وَأَمْوَالِهِمْ، يُبَاحُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي بِلَا نَفْعٍ، أَشْبَهَ الذِّئْبَ، وَمَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَرِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، حَتَّى إنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدُمُ مِنْ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَتَقْتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» رَوَاهُ مسلم. انتهى.
فإن لم يمكن التخلص منها على الوجه المذكور وكانت تؤذي بكثرة نجاستها فلا حرج إن شاء الله في قتلها، فإن من العلماء من يرخص في قتل الكلاب التي لا ينتفع بها.
جاء في الموسوعة الفقهية: يجب قتل كل كلب أضر وما عداه جائز قتله لأنه لا منفعة فيه.
ومنهم من يرى أن النهي عن قتلها للكراهة لا للتحريم.
جاء في الموسوعة أيضا: وذهب الشافعية إلى أن ما لا يظهر فيه منفعة ولا ضرر - كالكلب الذي ليس بعقور - يكره قتله كراهة تنزيه. انتهى.
ثم إن ما يؤذي منها ولو بكثرة نجاسته يجوز قتله لمضرته، كما ذكره بعض أهل العلم.
قال ابن مفلح رحمه الله: ويحمل نهي الشارع عن قتل الْكِلَابِ عَلَى الْكَرَاهَةِ تَخْصِيصًا لَهُ بِرَأْيِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ رَأَى قَتْلَهُنَّ وَلِأَنَّ مُقْتَضَاهُ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا النَّهْيِ أَخَصُّ فَإِنَّهُ نَهْيٌ بَعْدَ وُجُوبٍ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ، أَوْ لِلْكَرَاهَةِ أَوْ لِإِبَاحَةِ التَّرْكِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. وَعَلَى قَوْلِنَا يُمْنَعُ قَتْلُهَا أَنَّهَا إذَا آذَتْ بِكَثْرَةِ نَجَاسَتِهَا وَأَكْلِهَا مَا غَفَلَ عَنْهُ النَّاسُ جَازَ قَتْلُهَا عَلَى مَا يَأْتِي نَصَّ أَحْمَدُ فِي النَّمْلِ يَقْتُلهُ إذَا آذَاهُ مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا فَمَا جَازَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ فِي الْآخَرِ، بَلْ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النَّمْلِ وَنَحْوِهِ آكَدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَمْرٌ بِقَتْلِهِ وَلَمْ يُرَ صَحَابِيٌّ قَتَلَهُ كَمَا فِي الْكِلَابِ. انتهى.
وإذا تعين قتل هذا الكلب طريقا للتخلص من شره وأذيته فليقتل بأي وسيلة جائزة، لكن تتخير أسهل الطرق لذلك لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحسان القتلة.
والله أعلم.