الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعمل بالحديث الضعيف فيما كان من فضائل الأعمال المندرجة تحت أصل عام مما يسوغه أكثر الأئمة، ولتنظر الفتوى رقم: 19826، وأما الاحتجاج بالضعيف في تحريم أو إيجاب فلا قائل به من العلماء.
قال شيخ الإسلام: ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب. وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقا، ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف ومن قال هذا فقد خالف الإجماع. انتهى.
وأما ما يسميه كثير من الأئمة ضعيفا وهو في اصطلاح المتأخرين حسن فإنه يحتج به.
قال ابن تيمية: ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه، ولكن كان في عرف أحمد بن حنبل ومن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين: صحيح وضعيف. والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به، وإلى ضعيف حسن، كما أن ضعف الإنسان بالمرض ينقسم إلى مرض مخوف يمنع التبرع من رأس المال، وإلى ضعف خفيف لا يمنع من ذلك. انتهى.
والحاصل أن من احتج بحديث ضعيف ليس بصحيح ولا حسن في تحريم أو إيجاب أو في باب العقائد فقد غلط.
ولكن ليتنبه إلى أن كثيرا من الأحاديث قد اختلف فيه الأئمة فرأى ثبوتها بعضهم ورأى عدم ثبوتها آخرون، فما كان للاجتهاد فيه مساغ فالأمر فيه واسع، كما أن الحديث قد يكون ضعيفا مجمعا على ضعفه ويذكره العالم لأنه يشهد له إجماع أو قياس صحيح، أو أقوال الصحابة أو غير ذلك من الأدلة التي يذكر الضعيف معها استئناسا. فهذا تقرير المسألة، وثم أمر مهم لا ينبغي إغفاله وهو أن تبديع الشخص المعين لا يجوز إلا بعد تحقق ثبوت الشروط وانتفاء الموانع، فالحذر الحذر من الإيغال في هذا الأمر فإنه مفض إلى شر عظيم.
قال شيخ الإسلام: إني دائما ومن جالسني يعلم ذلك مني: أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة، وفاسقا أخرى، وعاصيا أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها: وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية. وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية. انتهى.
والله أعلم.