الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكن تفريع موضوع سؤالك على مسألة: إذا نزلت بالعامي نازلة وهو في مكان لا يجد من يسأله عن حكمها ـ قال ابن القيم في إعلام الموقعين: فيه طريقان للناس:
أحدهما: أن له حكم ما قبل الشرع، على الخلاف في الحظر والإباحة والوقف، لأن عدم المرشد في حقه بمنزلة عدم المرشد بالنسبة إلى الأمة.
والطريقة الثانية: أنه يخرج على الخلاف في مسألة تعارض الأدلة عند المجتهد، هل يعمل بالأخف أو بالأشد أو يتخير؟ والصواب أنه يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع، ويتحرى الحق بجهده ومعرفة مثله، وقد نصب الله تعالى على الحق أمارات كثيرة، ولم يسو الله سبحانه وتعالى بين ما يحبه وبين ما يسخطه من كل وجه بحيث لا يتميز هذا من هذا، ولا بد أن تكون الفطر السليمة مائلة إلى الحق مؤثرة له، ولا بد أن يقوم لها عليه بعض الأمارات المرجحة ولو بمنام أو بإلهام، فإن قدر ارتفاع ذلك كله وعدمت في حقه جميع الأمارات فهنا يسقط التكليف عنه في حكم هذه النازلة، ويصير بالنسبة إليها كمن لم تبلغه الدعوة، وإن كان مكلفا بالنسبة إلى غيره، فأحكام التكليف تتفاوت بحسب التمكن من العلم والقدرة، والله أعلم. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: إذا لم يجد المكلف من يفتيه في واقعته يسقط عنه التكليف بالعمل إذا لم يكن له به علم، لا من اجتهاد معتبر ولا من تقليد، لأنه يكون من باب التكليف بما لا يطاق، ولأن شرط التكليف العلم به، وقياسا على المجتهد إذا تعارضت عنده الأدلة وتكافأت فلم يمكنه الترجيح، ويكون حكمه حكم ما قبل ورود الشرع، وكمن لم تبلغه الدعوة. اهـ.
والخلاصة أنك إن لم تهتد للحكم الذي تحتاج إلى معرفته، فاتق الله ما استطعت، وتحرَّ الحق بوسعك، ولا تضيق على نفسك ولا تشق عليها، فالأمر في حقك واسع حتى تأتيك حجة ملزمة من كتاب أو سنة أو فتوى معتبرة، ونكرر عليك النصيحة بأن لا تشق على نفسك باتباع مسالك الوسوسة، فإن الوسوسة مرض شديد وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي.
وبالنسبة لموضوع رد السرقات، فراجع الفتوى رقم: 181719.
والله أعلم.