الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك حرصك على هداية الآخرين وتحذيرهم من الانحرافات، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم ناصحا محبا لهداية الآخرين، فاسع قدر استطاعتك في نصح الناس وتعليم جاهلهم وتحذيرهم من الشر والأخطاء الشائعة بين الناس ببيان حكمها والترهيب منها، فقد أمر الشارع بالنصيحة لعموم المسلمين، فعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
والأصل في النصيحة أنها واجبة على المسلم لأخيه المسلم لا يسعه تركها متى قدر عليها، قال ابن بطال: والنصيحة فرض يجزئ فيه من قام به، ويسقط عن الباقين. اهـ.
وجاء في شرح النووي على مسلم: وأما نصيحة المسلمين ـ وهم من عدا ولاة الأمر ـ فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم وكف الأذى عنهم، فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم ويعينهم عليه بالقول والفعل وستر عوراتهم وسد خلاتهم ودفع المضار عنهم وجلب المنافع لهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص والشفقة عليهم وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم وتخولهم بالموعظة الحسنة وترك غشهم وحسدهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه والذب عن أموالهم وأعراضهم وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل وحثهم على التخلق بجميع ما ذكرناه من أنواع النصيحة وتنشيط همهم إلى الطاعات....والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة. انتهى.
ولا يجوز اتهام شخص بالوقوع في الأخطاء بمجرد كونها منتشرة، فإن الأصل في المسلمين عموما السلامة من الفواحش والآثام، وقد نهى الله عز وجل عن إساءة الظن بالمؤمنين وعن التجسس عليهم، وعن تتبع زلاتهم وعثراتهم، كما في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا {الحجرات: 12}.
وورد الوعيد الشديد لمن فعل ذلك، فقد أخرج أبو داود عن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته. قال الألباني: حسن صحيح.
وقال ابن حجر الهيتمي: ففي الآية النهي الأكيد عن البحث عن أمور الناس المستورة وتتبع عوراتهم. اهـ.
وبوبَّ الإمام البخاري في كتاب النكاح: باب لا يطرق أهله ليلاً إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم، ثم روى حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً.
قال الحافظ ابن حجر: وفيه التحريض على ترك التعرض لما يوجب سوء الظن بالمسلم. اهـ.
وأما البدار بالنصح فواجب عند حصول التقصير في واجب يخشى فوته كما يجب عليك إن رأيت المنكر أن تنكره بحسب طاقتك, بما لا يؤدي إلى أعظم منه عملا بحديث مسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
وأما ما تحققه الشخص من المنكر فالواجب عليه أن ينكره، وقد بينا شروط إنكار المنكر، كما في الفتوى
رقم: 153019.
والله أعلم.